كلمة الدكتور جاسم المناعي المدير العـام رئيس مجلس الإدارة صندوق النقد العربي في المؤتمر الإقليمي حول "تطويـر أسواق أدوات الدين في الدول العربية"

أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة الحضور،،
 
يسرني أن أرحب بكم في بداية عمل المؤتمر الإقليمي حول "تطوير أسواق أدوات الدين في الدول العربية" الذي ينظمه صندوق النقد العربي بالمشاركة مع صندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وبالتعاون مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وجمعية الصكوك والسندات لدول الخليج. وكما تلاحظون، فإن هذا المؤتمر يجسّد التعاون القائم بين الصندوق والمؤسسات المالية الدولية، سعياً للمساهمة في تطوير القطاع المالي والمصرفي وأسواق المال في الدول العربية.
 
وأود في هذا الإطار، أن أتوجه بالشكر الجزيل للسيد Janamitra Devan نائب رئيس البنك الدولي لتطوير القطاع المالي وزملاءه في البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية، وللسيد Manfred Schepers نائب رئيس البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وزملاءه في البنك، وللسيد Jose Vinals مستشار ومدير دائرة الشؤون النقدية وأسواق المال في صندوق النقد الدولي وزملاءه في الصندوق وفي مقدمتهم Udaibir Das، وللسيد Michael Grifferty رئيس جمعية صكوك وسندات الخليج وزملاءه أعضاء هذه الجمعية، أشكر جميع هؤلاء على حرصهم على التعاون مع صندوق النقد العربي في التنظيم والإعداد لهذا المؤتمر الهام .
 
كذلك، أود أن أتقدم بشكر خاص لمعالي الأخ سلطان بن ناصر السويدي محافظ البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي كان من المفترض مشاركته معنا هذه الجلسة الافتتاحية لولا دعوته لحضور اجتماع غير متوقع في دبي في نفس هذا الوقت. هذا وقد أناب معالي المحافظ سعادة الأخ سيف الشامسي مساعد المحافظ لشؤون السياسات النقدية مشكوراً للحضور وإلقاء كلمته بهذه المناسبة.
 
كما أتوجه بالشكر في هذه الافتتاحية إلى جميع وزارات المالية والمصارف المركزية وهيئات الأوراق المالية والبورصات والمؤسسات المالية والاستثمارية الأخرى الذين يشاركوا معنا في هذا المؤتمر، وكذلك لجميع الخبراء والمتحدثين والمشاركين سواء من السلطات الإشرافية أو من المتعاملين في هذه الأسواق، الذين جاءوا اليوم لإثراء النقاش حول هذا الموضوع وكيفية تعزيز ودعم أجندة إقليمية لتطوير أسواق السندات في المنطقة العربية.
 
حضرات السيدات والسادة،،
 
لا تخفى عليكم الأهمية الكبيرة التي يحظى بها موضوع تطوير أسواق السندات المحلية في الدول النامية ومنها الدول العربية، وهو الأمر الذي تعززت الحاجة إليه أثر تداعيات الأزمات المالية العالمية التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة ، سواء من حيث تراجع التدفقات المالية والقروض المصرفية عبر الحدود أو كذلك من خلال التعديلات على المبادئ والمعايير الدولية وأهمها اتفاقية بازل III والمتطلبات الجديدة للسيولة.
 
ولعل هذه الأزمات المالية، تقدم في حالة الدول العربية درساً إضافياً يتعلق بالمخاطر الكبيرة لتركز التمويل المقدم للاقتصاد عبر قناة واحدة هي القطاع المصرفي. فمن المعلوم أنه وعلى الرغم من التحسن النسبي في الخدمات المالية غير المصرفية والإصدارات من أدوات الدين في الدول العربية في السنوات الماضية، إلا أن مساهمة المؤسسات المالية غير المصرفية وأسواق المال وتحديداً أسواق أدوات الدين في تمويل القطاع الخاص لا تزال متواضعة بالمقارنة بحجم التسهيلات المصرفية من جهة، أو بالمقارنة من جهة أخرى مع أسواق أدوات الدين في الاقتصادات النامية والناشئة الأخرى.
 
وليس مبالغة القول أن تطوير أسواق محلية نشطة لأدوات الدين في الدول العربية، يمثل التحدي الأهم لتطوير القطاع المالي والمصرفي في هذه الدول وتعزيز سلامته وكفاءته. فكما تعلمون تزايدت بصورة ملحوظة الاحتياجات التمويلية للدول العربية وخاصة تلك الدول التي تشهد تحولات سياسية في الوقت الراهن. وسيساعد وجود مثل هذه الأسواق ليس فقط في توفير التمويل طويل الاجل، بل كذلك على تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال توفير الإمكانية لتبني السياسات الاقتصادية الكلية الملائمة للتعامل مع التقلبات في الدورات الاقتصادية، وتحسين كفاءة تنفيذ السياسة النقدية.
 
كذلك وبما لا شك فيه، أن وجود مثل هذه الأسواق النشطة يعتبر جانباً مهماً لتعزيز الاستقرار المالي من خلال ما يمكن أن ينتج عنه وجود مثل هذه الأسواق، من تطوير للنظام المالي من نظام يعتمد على المصارف كمصدر رئيسي للتمويل إلى نظام متعدد الأقطاب. كما يساعد وجود مثل هذه الأسواق على تحسين إدارة المخاطر والتقنيات المرتبطة بها لدى المؤسسات المالية والمصرفية.
 
حضرات السيدات والسادة الحضور،،
 
لقد أبدت أغلب الدول العربية اهتماماً في السنوات الماضية بتطوير أسواق أدوات الدين، وتحديداً أسواق السندات الحكومية. وقد انعكس ذلك في جانب منه، في تنامي حجم الإصدارات الأولية من هذه السندات في معظم الدول العربية وخاصة في تلك الدول التي تعرف مستويات مرتفعة نسبياً من عجز الموازنة العامة. ومع ذلك وبالرغم من هذا الحجم النسبي الكبير لإصدارات السندات الحكومية، إلا أن هذه الأسواق لا تزال تفتقد للسيولة والعمق بالمقارنة مع الأسواق المماثلة في الدول النامية والاقتصادات الناشئة الأخرى.
 
فالأسواق الثانوية تكاد تكون غير موجودة. ويرتبط ذلك بمجموعة من العوامل منها ضعف تطور السوق النقدية، وعدم تنوع قاعدة المستثمرين من حيث هيمنة المصارف على الاكتتابات فيها، إلى جانب افتقارها للعديد من المقومات الجاذبة للاستثمار سواء من حيث التشريعات أو على صعيد البنية المؤسسية والتحتية لهذه الأسواق. فمعظم أسواق السندات الحكومية العربية غير ممثلة في مؤشرات السندات العالمية التي تعكس اهتمام المستثمرين، وذلك باستثناء البعض منها ولكن بنسب ضئيلة إلى حد كبير.
 
أما فيما يتعلق بأسواق سندات وصكوك الشركات، وبالرغم أن الإصدارات من هذه الأدوات قد شهدت هي الأخرى نمواً ملحوظاً، وخاصة لدى مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الصحيح كذلك أن هذه الإصدارات بأغلبها إما هي إصدارات مغلقة وهي شبيهه بالقروض المصرفية المجمعة، أو أنها كانت بعملات أجنبية غير العملات المحلية وبالتالي لم تساهم في تطور أسواق السندات بالعملات المحلية، حيث شكلت الإصدارات من سندات وصكوك الشركات العربية بعملات أجنبية حوالي ثلاثة أرباع إجمالي هذه الإصدارات. كذلك يلاحظ أن معظم هذه الإصدارات أما كانت من قبل مصارف لتعزيز رساميلها، أو جاءت لتمويل مشاريع عقارية.
 
وتظهر البيانات أن حجم الرصيد القائم من سندات الشركات العربية المصدرة بالعملات المحلية، لا يتجاوز 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، وهو حجم ضئيل بالمقارنة بأحجام أسواق سندات الشركات المماثلة للمجموعات الإقليمية الأخرى في الاقتصادات النامية والناشئة. كذلك تجدر الإشارة، إلى أن هناك أنواع أخرى من أدوات الدين الخاصة غير سندات الشركات، مثل سندات القروض العقارية والسندات المسنودة الأخرى، هي غير موجودة بصورة عامة في الأسواق العربية.
 
حضرات السيدات والسادة،،
 
إدراكاً لهذه القضايا، فقد عملت العديد من الدول العربية على إدخال إصلاحات تستهدف خلق البيئة المواتية لتطور أسواق أدوات الدين. إلا أنه ومع ذلك فإنه لا يخفى أن مساعي التطوير هذه لا تزال في مراحلها الأولى في أغلب هذه الدول. ويستلزم الأمر المزيد من الجهود على جانبي العرض والطلب على هذه الأدوات.
 
ولعل تطوير أسواق نشطة لأدوات الدين، يتطلب في هذا الصدد أولاً توسيع وتركيز الإصدارات من السندات الحكومية لبناء منحنى عائد مرجعي، حتى لدى تلك الدول العربية التي تتمتع بفوائض مالية. كما يحتاج ذلك ثانياً إلى تطوير التشريعات والقوانين ذات العلاقة للتغلب على بعض المعوقات القانونية التي قد تعيق إصدار مثل هذه الأدوات. كما أن معالجة جوانب مثل قوانين الإفلاس وحقوق الدائنين والتطبيق الفعال لقواعد الحوكمة السليمة، تمثل هي الأخرى جوانب مهمة على صعيد بناء البيئة القانونية السليمة في هذا الشأن.
 
كذلك يستلزم الأمر في هذا السياق، جهوداً لتوسيع قاعدة المستثمرين نحو مشاركة أوسع لمستثمرين أساسين مثل صناديق التقاعد والمعاشات والمؤسسات المالية غير المصرفية الأخرى. ومن متطلبات التطوير أيضاً، متابعة استكمال مستلزمات البنية التحتية السليمة وبوجه خاص نظم التداول ونظم المقاصة والتسوية، بالإضافة إلى زيادة التوعية بهذه الأسواق والسعي للمزيد من الإفصاح ونشر المعلومات بشأنها.
 
هذا، ولا يمكن تحقيق تقدم سريع وملموس على صعيد هذه الجوانب، دون وجود تنسيق كاف لدى كل دولة بين مختلف السلطات الإشرافية فيها من جهة وبين هذه السلطات و بين المؤسسات والمتعاملين في الأسواق من جهة أخرى في إطار استراتيجية وطنية، تضع تطوير أسواق أدوات الدين المحلية كأولوية رئيسية لها. كما أنه في الوقت نفسه، وفي ظل ضيق الأسواق المحلية، فإن الضرورة تفترض العمل على تبني أجندة إقليمية لتطوير هذه الأسواق نحو سوق إقليمية كبيرة. ويتطلب هذا المسعى، العمل على تنسيق التشريعات والأنظمة والممارسات ذات العلاقة.
 
حضرات السيدات والسادة الحضور،،
 
كما تلاحظون إن برنامج مؤتمركم يتضمن مناقشة كافة هذه القضايا والجوانب، حيث تركز موضوعات اليوم الأول حول متطلبات تطوير أسواق السندات الحكومية فيما يركز برنامج اليوم الثاني حول احتياجات تطوير أسواق صكوك وسندات الشركات. وستتاح الفرصة لنا للتعرف على آخر المستجدات والتطورات فيما يتعلق بمختلف قضايا تطوير هذه الأسواق من أبعادها المختلفة، والتعرف كذلك على واقع هذه الأسواق والإصلاحات الجارية في الدول العربية والتحديات التي تواجهها هذه الدول في هذا المضمار، بما يساهم في تعزيز إدراكنا لاحتياجات التطوير المنشود.
 
ولاشك أن وجود هذا الكم الكبير من الخبرات الرفيعة والمتخصصة سواء من المؤسسات المالية الدولية أو من السلطات الإشرافية المختلفة إلى جانب كبار الفنيين من البنوك والمؤسسات الاستثمارية والمتعاملين في أسواق السندات في الدول العربية، معاً في مؤتمر واحد يمثل فرصة طيبة لتقديم رؤية شاملة للنهوض بأسواق السندات في هذه الدول.
 
حضرات السيدات والسادة ،،
 
يحرص صندوق النقد العربي على تطوير برامجه وسياساته بما يستجيب لاحتياجات تطوير القطاع المالي والمصرفي وأسواق المال في الدول العربية. ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أن الصندوق قد أطلق بالتعاون مع صندوق النقد الدولي مبادرة إقليمية لتوفير المعونة الفنية للدول العربية على صعيد تطوير أسواق السندات. كما أقدم الصندوق مؤخراً على التوقيع على مذكرة التفاهم مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في إطار مبادرة "دوفييل" للشراكة لمساعدة الدول العربية التي تمر بتحولات سياسية على تطوير أسواق السندات المحلية فيها. وهناك بعثات مشتركة ستزور كل من الأردن وتونس ومصر والمغرب خلال الأشهر القادمة لهذا الغرض.
 
كما أن الصندوق من جانب آخر كان قد أطلق بالتعاون مع البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية مجموعة من مبادرات المعونة الفنية الأخرى، التي تخدم بشكل مباشر أو غير مباشر تطوير أسواق المال العربية. ومن أهم هذه المبادرات، مبادرة "تطوير نظم مقاصة وتسوية المدفوعات والأوراق المالية"، ومبادرة "تطوير نظم الإقراض المضمون" و مبادرة "تطوير نظم المعلومات الائتمانية"، وأخيراً و قبل أسابيع قليلة مبادرة لتطوير قطاع التمويل العقاري في الدول العربية. وتتكامل هذه المبادرات معاً لتساهم في دعم الاستقرار المالي و تحسين فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية في الدول العربية.
 
وإلى جانب المعونة الفنية، فإن الصندوق يحرص في إطار سياسته الاستثمارية على الاستثمار بالسندات العربية الحكومية والخاصة، حيث وصلت قيمة محفظة الصندوق من هذه السندات الى قرابة المليار دولار.
 
حضرات السيدات والسادة،،
 
يمثل تطوير أسواق السندات المحلية  نوع من السلعة العامة للاقتصادات الوطنية التي تعود منافعها على الجميع. ومن هنا فإننا نتطلع أن يمثل هذا المؤتمر منعطفاً هاماً، نحو إيلاء هذا الموضوع المكانة التي يستحقها فيسلم أولويات صناعة السياسات الاقتصادية و المالية في الدول العربية.
 
في الختام، أتمنى لهذا المؤتمر كل النجاح في تعزيز إدراكنا للعديد من الجوانب والقضايا المتعلقة بأسواق أدوات الدين، مستفيدين بذلك من تواجد هذا الكم الكبير من الخبرات الرفيعة. كما نشكر مجدداً المؤسسات المالية الدولية على تعاونها معنا في هذا المؤتمر، كما أشكر لكم حضوركم متمنياً لكم إقامة طيبة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.