صندوق النقد العربي يُطلق الإصدار الثاني من تقرير "مرصد التقنيات المالية الحديثة متناولاً منصات التمويل الجماعي"

اهتمام كبير من السلطات الإشرافية في الدول العربية بإصدار الأطر التنظيمية لمنصات التمويل الجماعي القائمة على الإقراض والمشاركة في الملكية كوسيلة لتشجيع التمويل الموجه إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

ضرورة التركيز على الاستمرار في تطوير الأطر التنظيمية لمنصات التمويل الجماعي واعتبارها أحد الآليات المتبعة في إطار الرؤى الاستراتيجية المستقبلية لدعم ريادة الأعمال وبلوغ أهداف التنمية المستدامة 2030

في ظل حرص صندوق النقد العربي على أن تواكب إسهاماته البحثية اهتمامات دوله الأعضاء وفي إطار استراتيجيته الجديدة (2020-2025)، أصدر الصندوق دوريةً بحثيةً سنويةً جديدةً بعنوان "مرصد التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية"، بهدف رصد أبرز النماذج الناجحة في مجال التقنيات المالية الحديثة القابلة للتوسع والتطبيق. تطرق العدد الثاني من التقرير إلى منصات التمويل الجماعي في ضوء تنامي دور هذه المنصات في تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

أشار التقرير إلى أن قطاع المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، يعتبر العمود الفقري لكل من الاقتصادات المتقدمة والدول  النامية، في ظل مساهمته الكبيرة في توليد الناتج وخلق فرص العمل. مع ذلك، يواجه القطاع العديد من التحديات التي تحول دون نموه وتوسعه، لعل من أهمها صعوبات النفاذ إلى التمويل المٌقدم من المؤسسات المالية التقليدية ممثلةً في القطاع المصرفي.

في الدول العربية على وجه التحديد، يُشكل قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ما يزيد عن 90 في المائة من إجمالي المؤسسات الرسمية في عدد كبير من الدول العربية، ويسهم بنحو 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو ثلث فرص العمالة في القطاع الرسمي. رغم ذلك يواجه هذا القطاع تحديات على صعيد النفاذ إلى التمويل حيث لا يتعد نصيبه من مجمل التسهيلات المصرفية في الدول العربية نحو 8 في المائة من إجمالي هذه التسهيلات نظراً لارتفاع مخاطر إقراض هذا القطاع لافتقاره للضمانات الكافية، وعدم وجود سجلات ائتمانية خاصة بالمؤسسات العاملة به، وهو ما يبرز الحاجة إلى تطوير آليات تمويل جديدة وملائمة لهذه النوعية من المؤسسات.

بين التقرير أن نشاط التمويل الجماعي -الذي يمثل أحد الأنشطة الواعدة من بين أنشطة التقنيات المالية الحديثة- قد حظي خلال السنوات القليلة الماضية باهتمام كبير في مجال ريادة الأعمال وتأسيس المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في ظل تحوله من أداة لجمع التبرعات إلى آلية تمويل ناجحة، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في سد جانب من فجوة تمويل هذا القطاع، وزيادة مساهمته في خلق فرص العمل.

شهد نشاط التمويل الجماعي نمواً ملحوظاً من سوق قوامها 1.5 مليار دولار أمريكي في عام 2011 على مستوى العالم إلى 84 مليار دولار أمريكي في عام 2018، فيما يتوقع أن ترتفع قيمة السوق لتصل إلى نحو 114 مليار دولار  في عام 2021.  كما توسعت أنشطة منصات التمويل الجماعي لتصبح واحدة من أهم مصادر تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتأتي في المرتبة الثانية بعد رأس المال المخاطر (Venture Capital) كمصدر لتمويل هذه المؤسسات، لاسيما في ظل التوقعات بنمو السوق بنحو 196 مليار دولار خلال الفترة (2021-2025) بمعدل نمو مركب يُقدر بنحو 15 في المائة وفق التقديرات الدولية. 

في هذا الإطار، أشار التقرير إلى نمو نشاط التمويل الجماعي في عدد من الدول العربية خلال الآونة الأخيرة ليصل عدد منصات التمويل الجماعي الرئيسة إلى نحو 32 منصة للتمويل الجماعي. رافق ذلك اهتمام السلطات الإشرافية بتنظيم هذا النشاط، لاسيما فيما يتعلق بمنصات التمويل الجماعي القائمة على الإقراض ومنصات التمويل الجماعي القائمة على المشاركة في الملكية التي تعتبر من أهم الأنشطة التي تركز السلطات الإشرافية على وضع الأطر التنظيمية الملائمة لها نظراً لدورها في توفير التمويل للقطاعات المستبعدة مالياً أو غير المخدومة مالياً بشكل كاف خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. بشكل عام تسمح الأطر التنظيمية القائمة حالياً في عدد من الدول العربية بنشاط منصات التمويل الجماعي سواءً تلك القائمة على الإقراض أو المشاركة في الملكية (إصدار الأسهم) كما هو معمول به في كل من البحرين والإمارات وتونس والسعودية ولبنان والمغرب، فيما يسمح الإطار التنظيمي الحالي في الكويت والمغرب بممارسة نشاط منصات التمويل الجماعي القائمة على جمع التبرعات وفق ترتيبات خاصة.

ركزت الأطر الرقابية الخاصة بتنظيم منصات التمويل الجماعي على وضع الأسس الكفيلة بتدعيم دور هذه المنصات في تمويل فئات محددة بعينها لاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال والمبتكرين، وعلى اشتراط حدود قصوى على هذه التمويلات بما يساعد على تنظيم المنافسة ما بين هذه المنصات والقطاع المصرفي التقليدي، علاوة على تبني العديد من التدابير التي من شأنها الحد من المخاطر المرتبطة بهذا النوع من أنواع التمويلات لا سيما فيما يتعلق بالمخاطر الائتمانية والتشغيلية، وضمان حماية المقرضين والمستثمرين بها من خلال أطر قوية للحوكمة تتناسب مع آليات وطبيعة عمل منصات التمويل الجماعي.

في ضوء ما سبق، خلص التقرير إلى بعض الاستنتاجات على صعيد صنع السياسات على النحو التالي:

  • أهمية تركيز السلطات الإشرافية على تحفيز منصات التمويل الجماعي باعتبارها أحد الآليات المتبعة في إطار الرؤى الاستراتيجية المستقبلية لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة 2030.
  • التركيز على وجود منظومة من الأطر الداعمة لنشاط منصات التمويل الجماعي ممثلةً في تعزيز نشاط شركات الاستعلام الائتماني، ومد نطاق نشاطها ليشمل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وتفعيل دور أنظمة ضمانات القروض الموجهة إلى هذه المؤسسات ومن بينها نظم الضمانات المنقولة.
  • التحديث الدوري للأطر التنظيمية لمنصات التمويل الجماعي بما يساعد على المواكبة المستمرة للتطورات في هذا النشاط والقدرة المستمرة على احتواء المخاطر المرتبطة به، وفق أطر رقابية تناسبية تتلاءم مع أنشطة هذه المنصات ولا تشكل عائقاً أمام تطورها وفق أفضل الممارسات الدولية.
  • تركيز المصارف المركزية على ضرورة الاهتمام بالمخاطر التي قد تنشأ عن هذه المنصات لاسيما المخاطر الائتمانية والتشغيلية، نظراً لكون هذه المنصات لا تمتلك الخبرة الكافية لإدارة الائتمان مقارنةً بالقطاع المصرفي من جهة، كما تعتمد على التقنيات المالية الحديثة في تقديم منتجاتها من جهة أخرى.
  • ضمان التطبيق الأمثل لأدوات السياسة الاحترازية الكلية من خلال توسيع المظلة الرقابية لتشمل كافة مؤسسات الإقراض بما في ذلك منصات التمويل الجماعي بما يكفل تقييم أدق لمخاطر الائتمان.

 

النسخة الكاملة من العدد متاحة على الرابط