تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية - نصره الله، افتتاح أعمال الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية

معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي

يلقي كلمة في الجلسة المشتركة للاجتماعات  

​أهمية الحوار والتشاور بين الهيئات المالية العربية، للتنسيق حول تطوير أداء العمل الاقتصادي والمالي العربي المشترك في ضوء المستجدات العالمية

ارتفاع معدلات التضخم وما تبعه من إرتفاع أسعار الفائدة، وتحديات الأمن الغذائي، وتراجع تدفقات رأس المال   للأسواق الناشئة، وارتفاع الديون، تمثل أهم تحديات الاستقرار المالي العالمي

البطالة لدى الشباب في الدول العربية بلغت في المتوسط بنسبة 27.3 في المائة مقابل 16.4 في المائة عالمياً

767 مليار دولارأمريكي حجم الدين العام، يمثل نحو 109 في المائة من الناتج للدول العربية المقترضة

تبنى صندوق النقد العربي نهج استباقي في تدخلاته التي تتسم بالمرونة والسرعة لتنفيذ الأنشطة الداعمة لدوله الأعضاء لمواجهة التطورات الراهنة وتداعياتها

كثف صندوق النقد العربي أنشطته الحوارية، واصدار الأدلة الإرشادية التي تُعْنى بالسياسات والأدوات المتعلقة بقضايا التمويل المستدام، والاستقرار المالي، ودعم التحول المالي الرقمي في الدول العربية

  استكمل الصندوق إنشاء منصة "بنى" للمدفوعات، حيث تحظى المنصة بقبول دولي لما تمثله من ترجمة لتوجهات مجموعة العشرين في تحسين كفاءة المدفوعات عبر الحدود

 

ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية، المنعقدة هذا العام في مدينة الرباط بالمملكة المغربية، تحت رعاية كريمة من جلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية - نصره الله، بمشاركة أصحاب المعالي وزراء المالية والاقتصاد في الدول العربية، وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية. كما شارك في الاجتماع أصحاب المعالي والسعادة رؤساء المؤسسات المالية العربية والسادة الأعضاء المراقبين.

بيّن معاليه في كلمته، أن الاقتصاد العالمي يشهد حالياً عدد من التحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم وما تبعه من سياسات نقدية إنكماشية تمثل في رفع أسعار الفائدة، وتحديات مرتبطة بالأمن الغذائي، وتراجع تدفقات رأس المال للعديد من الأسواق الناشئة، وارتفاع الديون، وما تبعها من انعكاسات على الاستقرار المالي. كما أشار معاليه أن ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة العربية من أبرز التحديات في المنطقة، حيث بلغت نحو 11.3 في المائة في عام 2021، ما يمثل ضعف المعدل العالمي، مشيراً أن معدلات البطالة لدى الشباب في الدول العربية بلغت في المتوسط 27.3 في المائة مقابل 16.4 في المائة على المستوى العالمي.

في سياق التحديات، حذّر معالي الدكتور الحميدي من الزيادة المتنامية في مستويات المديونية سواءً على المستوى العربي أو الدولي، حيث تعتبر الزيادة في نسبة الدين العام من أبرز التحديات التي تواجه اقتصادات الدول العربية في ظل التطورات الدولية الراهنة، لتصل إلى نحو 767 مليار دولارأمريكي، ما يمثل نحو 109 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة في عام 2021. كما يبرز أهمية احتواء مسارات الدين العام وتعزيز تحركه في مستويات قابلة للاستدامة، خاصة في ظل الضغوطات التي فرضتها التطورات الدولية الراهنة على أوضاع المالية العامة في الدول العربية، حيث يستلزم الأمر من قبل صانعي السياسات في الدول العربية التحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام.

في هذا الصدد، أكد معاليه أن صندوق النقد العربي تبنى نهج استباقي في إطار تدخلات تتسم بالمرونة والسرعة لتنفيذ مجموعة من الأنشطة الداعمة للبلدان الأعضاء لمواجهة تلك المتغيرات الاستثنائية وتداعياتها، لاسيما على الصعيدين الاقتصادي والمالي، مشيراً إلى قيام الصندوق بمضاعفة وتيرة إنجازه للأنشطة المجدولة ولحجم قروضه المقدمة لدعم الاقتصادات العربية، إلى جانب تعزيز شراكاته مع العديد من المؤسسات الإقليمية والدولية لتقديم المشورة والمعونة الفنية. كما أشار معاليه أن الصندوق استمر في تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، وتوسيع نطاق المبادرات التي تصبّ في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة وتعزيزها بأنشطة مستجدة، وتواصله المستمر وتوسيع نطاق اللقاءات التشاورية وتبادل التجارب والخبرات مع الدول العربية. كما واصل الصندوق ضمن استراتيجيته الحالية تفعيل نظام التدريب "عن بُعد" لمواصلة مسيرته في تعزيز وبناء القدرات الفنية البشرية العاملة في الجهات المعنية.

أكد معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة أن الصندوق كثّف مشاوراته مع صانعي السياسات في الدول الأعضاء، خلال عام 2022، فضلاً عن إصدار عدداً من الأدلة والأطر الإرشادية، والأوراق المرجعية التي تُعْني بالسياسات والأدوات المتعلقة بقضايا التمويل المستدام، والاستقرار المالي، ودعم التحول المالي الرقمي في الدول العربية في هذه المرحلة، إلى جانب مواصلة إصدار أوراق بحثية ودراسات تناولت مختلف محاور القطاع المالي.

في مجال التدريب وبناء القدرات، أشار معاليه أن الصندوق استمر في تعزيز دوره كمركز للمعرفة وبناء القدرات خلال العام 2022، حيث وضع الصندوق في مقدمة أولوياته مواصلة العمل على الارتقاء بأنشطة التدريب وتحديث المحتوى العلمي للبرامج التدريبية المقدمة، والتوسع في الأنشطة والبرامج التدريبية مع التركيز على المواضيع ذات العلاقة بالتحديات التي تواجه الإقتصادات العربية، إلى جانب تعزيز الشراكة مع المؤسسات الإقليمية والدولية.

من جانب آخر، أكد معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة أن الصندوق قد استكمل خلال عام 2022 الخطوات المتعلقة بإنشاء المؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية  (منصة "بنى" للمدفوعات)، حيث تحظى منصة "بُنى" للمدفوعات بقبول دولي لما تمثله من ترجمة لتوجهات مجموعة العشرين في تحسين كفاءة المدفوعات عبر الحدود.

في الختام، ثمّن معالي الدكتور الحميدي جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرعاية والدعم الكبير الذي تقدمه باعتبارها دولة مقر صندوق النقد العربي، الذي يساهم بدون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به. كما قدم معاليه الشكر للسلطات في الدول العربية ولأصحاب المعالي الوزراء والمحافظين على دعمهم للصندوق.

في الختام شكر معالي الدكتور الحميدي المملكة المغربية ملكاً وحكومة وشعباً على استضافة الاجتماعات، راجياً المزيد من التقدم والازدهار، كما تمنى لهذا الاجتماع كل التوفيق والنجاح.

و في ما يلي نص الكلمة:
 

 

معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية في سلطنة عُمان، رئيس الجلسة المشتركة
معالي نادية فتاح العلوي، وزير الاقتصاد والمالية في المملكة المغربية
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يسعدني في مستهل كلمتي بمناسبة إنعقاد الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية، أن أعرب عن خالص التقدير والامتنان لبلدنا العزيز المملكة المغربية ملكاً وحكومة وشعباً على احتضان هذه الاجتماعات المهمة، وعلى حسن الاستقبال وكرم الضيافة وتقديم كافّة التسهيلات لنجاحها، راجياً لهذا البلد الكريم المضياف كل التقدم والازدهار.

لقد شرفنا جلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية - نصره الله، برعايته الكريمة لاجتماعاتنا المشتركة هذا العام، مقدرين لجلالته، ولحكومة المملكة المغربية ولشعبها الكريم الاهتمام والحرص على دعم العمل العربي المشترك.

كما أتوجه بالشكر والإمتنان لمعالي نادية فتاح العلوي وزير الاقتصاد والمالية بالمملكة المغربية، وزملائها على حسن الإعداد والتنظيم الجيد لهذه الاجتماعات وعلى تهيئة كافة الظروف المناسبة لنجاحها.

كما أود كذلك أن أشكر زملائي رؤساء المؤسسات المالية العربية المجتمعة اليوم، وأثمن جهودهم على صعيد تقديم كافة أشكال الدعم ومساندة جهود الحكومات العربية لتحقيق طموحات شعوبها.
 
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والإخوة،

تُمثل الاجتماعات السنوية المشتركة للمؤسسات المالية العربية، مناسبة طيبة وفرصة مهمة للتشاور بين مجالس محافظيها ورؤساء المؤسسات المالية العربية، والاستماع إلى آراء ومقترحات أصحاب المعالي المحافظين، حول كيفية تطوير أداء العمل الاقتصادي والمالي العربي المشترك، في ضوء المستجدات التي تشهدها المنطقة العربية وما تواجهه من تحديات.

إن التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية تستدعي استمرار العمل على الارتقاء بالتعاون الاقتصادي العربي إلى المستوى الذي يتناسب مع التطلعات ومع طبيعة المرحلة التي تمر بها اقتصادات دولنا العربية.

أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والإخوة،
 
لا يخفى عليكم ما يواجهه الاقتصاد العالمي بسبب التطورات الحالية التي اتسمت بموجة تضخمية ملحوظة وتشديد السياسة النقدية، وفي مثل هذه الأوقات التي تتميز بحالة عدم اليقين، من المهم أن نتابع الآثار المترتبة عن تلك التطورات وتأثيرها المحتمل على رفاهية دولنا العربية.
لقد شهد العام 2022 ارتفاعاً في معدلات التضخم بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات. يُعزى ذلك إلى عوامل مختلفة، مثل تقلبات سلاسل التوريد، وزيادة الطلب مع إعادة فتح الاقتصادات في أعقاب عمليات الإغلاق خلال جائحة كوفيد-19.  
كرد فعل للضغوط التضخمية، بدأت البنوك المركزية في تشديد السياسة النقدية من خلال رفع أسعار الفائدة وخفض شراء الأصول. يهدف هذا التحول في السياسة النقدية إلى السيطرة على التضخم، لكنه ينطوي أيضاً على مخاطر محتملة، مثل تباطؤ النمو الاقتصادي والتأثير على الاستقرار المالي. وعندما نعايش مثل هذه التغيرات المتسارعة، من الضروري أن نبقى على اطلاع وفهم لكيفية تأثيرها على اقتصادات دولنا العربية، وعلى النشاط الاقتصادي، والقطاع المالي.

أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والإخوة،
لقد تجلت آثار تشديد السياسات النقدية العالمية بشكل واضح في توقعات النمو الاقتصادي العالمي، حيث تشير أحدث توقعات المنظمات الدولية للنمو الاقتصادي الصادرة في بداية عام 2023 إلى تخفيض توقعات النمو الاقتصادي، حيث تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى معدل نمو قدره 2.8 في المائة خلال عام 2023، عاكسة بذلك حالة عدم اليقين التي سببها التضخم العالمي، والتطورات الدولية، واستمرار بعض التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد التي يبدو أنها لم تتمكن بعد من استرجاع عافيتها منذ الصدمة التي تعرضت لها خلال فترة جائحة كوفيد-19، فضلا عن التحديات التي تواجه بعض الدول مثل حجم الدين العام وتحدي الأمن الغذائي.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والإخوة،
من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصادات العربية في عام 2023 نحو 3.4 في المائة حسب توقعات صندوق النقد العربي، متأثراً بالتطورات الاقتصادية العالمية، وبشكل خاص تشديد السياسات النقدية، وبدء ظهور بوادر تراجع النشاط الاقتصادي العالمي. فيما يتوقع تحسن نمو الإقتصادات العربية في عام 2024 ليبلغ نحو 4.0 في المائة بما يتواكب مع البدء بتخفيف السياسات النقدية مع توقع السيطرة على التضخم قبل نهاية عام 2023، علاوة على الأثر الإيجابي لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي بإطار الرؤى والاستراتيجيات المستقبلية التي تستهدف تعزيز مستويات التنويع الاقتصادي، وإصلاح بيئات الأعمال، وتشجيع دور القطاع الخاص، ودعم رأس المال البشري، وزيادة مستويات المرونة الاقتصادية في مواجهة الصدمات.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
تواجه الدول العربية في هذه المرحلة تحديات اقتصادية، تستلزم من المؤسسات والهيئات المالية العربية تعزيز الجهود في استراتيجيات أكثر قدرة على تقديم الدعم للحكومات العربية لتحقيق النمو الاقتصادي وبلوغ مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

من أبرز هذه التحديات ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة العربية، حيث بلغت نحو 11.3 في المائة في عام 2021 ما يمثل ضعف المعدل العالمي وفقاً لبيانات البنك الدولي، علماً وأن معدلات البطالة لدى الشباب في الدول العربية تبلغ في المتوسط 27.3 في المائة مقابل 16.4 في المائة على المستوى العالمي.

ذلك إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب المتعلم، حيث بلغ معدل البطالة لدى الإناث حوالي 43.0 في المائة مقابل 18.8 في المائة للمتوسط العالمي، في حين بلغ معدل بطالة الشباب المتعلم من فئة الذكور نحو 23.4 في المائة مقابل 15.8 في المائة للمتوسط العالمي.

من جانب آخر، يعتبر تزايد معدلات المديونية من بين أبرز التحديات التي تواجه اقتصادات الدول العربية في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته مستويات الدين العام في ظل التطورات الدولية الراهنة، لتصل إلى نحو 767 مليار دولارأمريكي، ما يمثل نحو 109 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة في عام 2021.  كما يبرز أهمية احتواء مسارات الدين العام وتعزيز تحركه في مستويات قابلة للاستدامة، خاصة في ظل الضغوطات التي فرضتها التطورات الدولية الراهنة على أوضاع المالية العامة في الدول العربية، حيث يستلزم الأمر من قبل صانعي السياسات في الدول العربية التحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام.

علاوة على ما سبق، تظهر الحاجة الملحة إلى تعزيز قدرة الاقتصادات العربية على زيادة مستويات المرونة الاقتصادية لمواجهة أية صدمات اقتصادية محتملة، من خلال مواصلة الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية التي أصبحت ضرورية. فالهياكل الاقتصادية للدول العربية بحاجة لأن تشهد إصلاحات هيكلية تتبنى خططاً واستيراتيجيات وطنية لزيادة التنويع الاقتصادي، وإعادة الاعتبار لقطاعات اقتصادية رئيسة مثل قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية، والعمل على زيادة قدرة هذين القطاعين في دعم الناتج المحلي الإجمالي والتشغيل، وتحديث السياسات المتعلقة بالقطاع الزراعي، بهدف زيادة مستويات الإنتاج من السلع الزراعية وتوفير الإستدامة الزراعية وتعزيز قدرة الدول العربية على المشاركة في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية للتقليل من مخاطر تعرضها لأية صدمات غير مواتية.

من جانب آخر، تلعب الإصلاحات المؤسسية دوراً هاماً وأساسياً في المرحلة الراهنة لتطوير بيئة الأعمال التجارية في الدول العربية، لتمكين القطاع الخاص من القيام بدوره الرئيس في التشغيل والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المنشود. حيث لا تزال مؤشرات بيئة الأعمال في عدد من الدول العربية تواجه تحديات تزيد من مستوى الأعباء على المؤسسات المعنية، فمثلا القيام بإجراءات التصدير في الدول العربية يستغرق في المتوسط يومين مقابل 7 ساعات في دول الإتحاد الأوروبي. هذا يتطلب من الجهات المعنية في الدول العربية إجراء الإصلاحات التشريعية التي تهدف إلى زيادة المستويات الإنتاجية، وتطوير مناخ الأعمال، وتسهيل استخراج التراخيص، وتخفيض الوقت والتكلفة اللازمة لممارسة الأعمال التجارية، بهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمستثمرين.

لا يقل أهمية عما سبق ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير القطاع المالي، وتطوير أسواق المال في الدول العربية، وتعزيز فرص الوصول للتمويل لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وكذلك الوصول لجميع فئات المجتمع لاسيما الشباب، وتحفيز إنشاء المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، بما يساهم في تطوير الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي خلق فرص عمل مستدامة، بما سينعكس إيجاباً على تخفيف حدة الفقر ومكافحة البطالة، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

 
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
مما لاشك فيه أن قدرة الحكومات العربية على مواجهة هذه التحديات تستلزم تكثيف جهود المؤسسات المالية العربية خلال الفترة المقبلة بهدف توفير الدعم المالي والفني الكافي للدول العربية، وبناء القدرات للمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والقطاعية، وتوفير الموارد المالية الكفيلة بحفز النمو وخفض البطالة، والوفاء بأهداف التنمية المستدامة وفق أطر تشاركية تستهدف تعزيز تكامل جهود المؤسسات المالية العربية، وتعظيم العائد المتوخى من تدخلات كل مؤسسة على حده، والاستفادة من الفرص التي يتيحها التعاون مع المؤسسات الدولية الشريكة.

أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والإخوة،
يواصل صندوق النقد العربي عمله الدؤوب في إطار خطته الإستراتيجية الخمسية (2020-2025) لبلورة رؤيته وطموحاته في أن يكون "الشريك الأقرب لدوله الأعضاء لتحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي والمالي، في سياق رؤيته الممتدة حتى عام 2040". تميزت هذه الاستراتيجية بالبعد الاستشرافي لطبيعة التحولات الإقليمية والعالمية وانعكاساتها المتوقعة على الاقتصادات العربية، تضمنت مجموعة من الأنشطة التي يسعى الصندوق من خلالها إلى تمكين دوله الأعضاء من التحرك باتجاه الغايات الاقتصادية المنشودة. في هذا الإطار، حقق الصندوق خلال الفترة المذكورة نسبة من الأداء التراكمي بإطار الإستراتيجية الحالية قُدرت بنحو 52 في المائة.

يشهد العالم حالياً عدداً من التحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم وما تبعه من تشديد نقدي من جانب البنوك المركزية تمثل في رفع أسعار الفائدة، وتحديات مرتبطة بالأمن الغذائي، وتراجع تدفقات رأس المال للعديد من الأسواق الناشئة، وارتفاع الديون، وما تبعها من انعكاسات على الاستقرار المالي. في هذا الصدد، قام الصندوق بتبني نهج استباقي في إطار تدخلات تتسم بالمرونة والسرعة لتنفيذ مجموعة من الأنشطة الداعمة للبلدان الأعضاء لمواجهة تلك المتغيرات الاستثنائية وتداعياتها لاسيما على الصعيدين الاقتصادي والمالي. في سياق الأوضاع التي يشهدها العالم، عمل الصندوق على مضاعفة وتيرة إنجازه للأنشطة المجدولة ولحجم قروضه المقدمة لدعم الاقتصادات العربية، وقام بتنفيذ العديد من الأنشطة لمساندة الدول الأعضاء للتخفيف من التداعيات الناتجة عن جائحة كوفيد -19 على كافة المجالات ذات الصلة بعمل الصندوق، وعزز من شراكاته مع العديد من المؤسسات الإقليمية والدولية لتقديم المشورة والمعونة الفنية. إضافة إلى مواصلة برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، وتوسيع نطاق المبادرات التي تصبّ في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة وتعزيزها بأنشطة مستجدة، وتواصله المستمر وتوسيع نطاق اللقاءات التشاورية وتبادل التجارب والخبرات مع الدول العربية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الشركاء من المنظمات الإقليمية والدولية. كما واصل الصندوق ضمن استراتيجيته الحالية تفعيل نظام التدريب "عن بُعد" لمواصلة مسيرته في تعزيز وبناء القدرات الفنية البشرية العاملة في الجهات المعنية.

تمكّن الصندوق خلال إستراتيجيته الحالية (2020-2025) من تلبية جميع طلبات القروض الجديدة وطلبات السحب لقروض قائمة، بإجراءات سريعة، وتخصيص الموارد اللازمة لتلبية هذه الطلبات. كما واصل الصندوق جهوده في تقديم المشورة والمعونة الفنية لدوله الأعضاء، كالدورات التدريبيّة وورش العمل التطبيقية التي شهدت تنوعاً في الموضوعات لتحاكي المستجدات الحاصلة في الاقتصادات العربية.  

كما عمل الصندوق على تعزيز دوره في تقديم المشورة والمعونة الفنية لمواجهة التحديات الاقتصادية من خلال إصدار عدد من المبادئ الإرشادية لتعزيز قدرات السلطات الإشرافية في الدول الأعضاء على تبني السياسات والإجراءات الفعّالة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي.

كذلك عزز الصندوق دوره كمركز للمعرفة ومنصة للحوار في مواضيع الشمول المالي، والتقنيات المالية الحديثة، من خلال دعم جهود الدول العربية لتعزيز الشمول المالي، والمساعدة على بناء الإستراتيجيات الوطنية للشمول المالي، وتعزيز منظومة الخدمات المالية الرقمية، واستحداث برامج للتوعية والتثقيف المالي، ووضع الأطر اللازمة لحماية مستهلكي الخدمات المالية، وتعزيز القدرات في مجال توفير البيانات والإحصاءات ذات الصلة، ودعم برامج تنمية منظومة التقنيات المالية الحديثة، بما يساهم في خلق البيئة الحاضنة الملائمة لنمو صناعة التقنيات المالية الحديثة، وتطوير الخدمات المالية الرقمية في الدول العربية، في إطار بيئة تشريعية ورقابية ملائمة. كذلك حرص الصندوق على توسيع أنشطته لدعم تطوير القطاع المالي غير المصرفي من خلال أنشطة عدة تتعلق بقطاع التأمين، وصناديق التقاعد والمعاشات، وبرامج ضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها. كما نفّذ الصندوق عدداً من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز التمويل المسؤول والمستدام، ودعم الحوار حول تغيرات المناخ والتمويل الأخضر.

كذلك حرص الصندوق على جمع الفاعلين وصناع السياسات في القطاع المالي على المستويين العربي والدولي لإثراء الحوار البنّاء حول سبل تعزيز الاستقرار المالي والمصرفي ومواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفتها جائحة كورونا لاسيما من خلال متابعة المخاطر النظامية في القطاع المصرفي العربي وتقديم المشورة لتقوية السياسات الاحترازية.

إضافة إلى ذلك، استكمل الصندوق خلال عام 2022 الخطوات المتعلقة بإنشاء المؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية (منصة "بنى" للمدفوعات)، وتشغيلها وإدارتها، كان آخرها استكمال تشكيل لجنة الإشراف على المؤسسة من المصارف المركزية للعملات المؤهلة، ومجلس إدارة المؤسسة، ليكون الصندوق بذلك قد نفذ كل متطلبات إنشاء المؤسسة. منصة "بُنى" للمدفوعات تحظى بقبول دولي لما تمثله من ترجمة لتوجهات مجموعة العشرين في تحسين كفاءة المدفوعات عبر الحدود.  في هذا السياق، واصل الصندوق دعم جهود منصة "بُنى" للدفوعات بتطوير وتوسيع نطاق الاستفادة من خدماتها المبتكرة، حيث تم استكمال تضمين ست عملات عربية ودولية، والربط مع نحو 90 بنك ومؤسسة مالية، مع تحقيق تقدم في الربط مع نظم الدفع للشركاء التجاريين للعالم العربي.

من جهة أخرى، بلغ رصيد القروض القائمة في ذمة الدول الأعضاء 578,540 ألف دينار عربي حسابي كما في 31 ديسمبر 2022، مقارنة برصيد قيمته 596,436 ألف د.ع.ح. في 31 ديسمبر 2021.  أما التزامات الصندوق للقروض المتعاقد عليها والقائمة مع الدول الأعضاء، فقد بلغت 612,288 ألف د.ع.ح.  كما في 31 ديسمبر 2022.  تمثّل التزامات القروض أرصدة القروض القائمة في ذمة الدول الأعضاء مضافاً إليها أرصدة القروض المتعاقد عليها وغير المسحوبة البالغة 33,748 ألف د.ع.ح. في نهاية عام 2022.
في مجال التدريب وبناء القدرات، استمر الصندوق في تعزيز دوره كمركز للمعرفة وبناء القدرات، من خلال تنمية وتعزيز قدرات الكوادر العربية في القطاعات الإقتصادية والمالية والنقدية والتجارية والإحصائية. في ضوء ذلك، وضع الصندوق في مقدمة أولوياته مواصلة العمل على الارتقاء بأنشطة التدريب وتحديث المحتوى العلمي للبرامج التدريبية المقدمة، والتوسع في الأنشطة والبرامج التدريبية مع التركيز على المواضيع ذات العلاقة بالتحديات التي تواجه الإقتصادات العربية، إلى جانب تعزيز الشراكة مع المؤسسات الإقليمية والدولية.
بهذا الصدد، إستمر معهد التدريب وبناء القدرات في نشاطه التدريبي خلال عام 2022 من خلال التدريب "عن بُعد"، الذي أصبح خياراً استراتيجياً ضمن توجه الصندوق.  اعتمدت خطة العمل لعام 2022 على منصة التدريب الإلكترونية، بما يتماشى مع المواصفات وأفضل الممارسات العالمية، وبما يلبي احتياجات التدريب الراهنة والمستقبلية.  في ضوء ما سبق، شهد عام 2022 تنظيم 62 دورة تدريبية، تناولت موضوعات تواكب تطلعات الدول الأعضاء وتلبي احتياجاتهم، مع التركيز على ورش العمل التطبيقية والحالات الدراسية.
كما واصل الصندوق خلال عام 2022 دعمه للدول الأعضاء من خلال برنامج تمويل التجارة العربية، حيث بلغت قيمة الطلبات التي وردت إلى البرنامج والتي تم الموافقة على تمويلها حوالي 907.3 مليون دولار أمريكي، وبلغت قيمة السحوبات خلال العام المذكور حوالي 907.2 مليون دولار أمريكي.
 
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
يولي الصندوق اهتماماً كبيراً بدعم تطوير القطاع المالي والمصرفي وتعزيز مقومات الاستقرار المالي في الدول العربية، وتوفير فرص تبادل التجارب والخبرات ونقل المعرفة بشأن سبل مواجهة التطورات والتحديات التي أملتها جائحة كوفيد-19 والتطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي على القطاع المالي، إلى جانب متطلبات مرحلة التعافي والعودة مجدداً إلى المسارات الاعتيادية للنمو الاقتصادي.

بهذا الصدد، كثّف الصندوق مشاوراته مع صانعي السياسات في الدول الأعضاء، خلال عام 2022، فضلاً عن إصدار عدداً من الأدلة والأطر الإرشادية، والأوراق المرجعية التي تُعْنى بالسياسات والأدوات المتعلقة بقضايا التمويل المستدام، والاستقرار المالي، ودعم التحول المالي الرقمي في الدول العربية في هذه المرحلة، إلى جانب مواصلة إصدار أوراق بحثية ودراسات تناولت مختلف محاور القطاع المالي.

تضمنت جهود الصندوق خلال عام 2022، في مجال تطوير القطاع المالي والمصرفي، إصدار مبادئ وأدلة إرشادية، بالتعاون والتشاور مع السلطات الإشرافية، وغيرها من السلطات المعنية في الدول العربية، هدفت لتوفير الدعم والمشورة الفنية في مرحلة التعافي، وتعزيز قدرة القطاع المالي والمصرفي على مواجهة تداعيات الأزمات، فضلاً عن دعم التحوّل المالي الرقمي، وتشجيع الابتكارات المالية في الدول العربية.

يعمل الصندوق في إطار مبادرة "عربستات" على حث الهياكل الإحصائية على تطبيق الأدلة والمنهجيات الدولية وتوفير البيانات الموثوقة والشاملة وتوسيع قاعدة المؤشرات ونشرها في الوقت المناسب. تم في إطار المبادرة تنظيم حزمة من أنشطة التدريب لفائدة الفنيين في الأجهزة الإحصائية العربية، ووزارات المالية، والمصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية. كما تم تنظيم عدد من البعثات الفنية المشتركة مع المؤسسات الدولية في مجال الإحصاءات الوطنية إلى عدد من الدول العربية لتعزيز وبناء القدرات.

من جانب آخر، يواصل الصندوق مساعيه المستمرة لتطوير أنشطته البحثية لدعم متخذي القرار وصناع السياسات في الدول العربية من خلال الارتقاء بالتقارير والدراسات والنشرات التي تتناول الموضوعات ذات الأولوية بالنسبة للبلدان الأعضاء ومن بينها التقرير الاقتصادي العربي الموحد، وتقرير آفاق الاقتصاد العربي، وتقرير الاستقرار المالي، وتقرير نافذة على طريق الإصلاح.  ركزت أنشطة الصندوق خلال عام 2022 على دراسة تداعيات التحديات والتطورات على المستويين الإقليمي والدولي، وانعكاساتها على الاقتصادات العربية، وسبل مواجهتها فضلاً عن دراسة مسارات التعافي والعودة مجدداً للمسارات الاعتيادية للنمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد الأزمات. شملت إصدارات الصندوق خلال عام 2022 مجموعة من البحوث والدراسات، والتقارير والدوريات والنشرات الإحصائية، وأوراق العمل، وأوراق السياسات، والكتيبات التعريفية المعنية بتعزيز الثقافة الاقتصادية والمالية والنقدية لدى النشء العربي، فضلاً عن الأدلة والأطر الإرشادية. استحوذت الإصدارات التي تختص بتطوير القطاع المالي والمصرفي على الجزء الأكبر من تلك الإصدارات.

كما يواصل الصندوق، اهتمامه بتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية والتجمعات والهيئات الاقتصادية والبنوك المركزية ووكالات التنمية العالمية. فمن جانب، توسع الصندوق في الأنشطة المشتركة مع هذه المؤسسات والهيئات لخدمة احتياجات دولنا العربية، سواءً على صعيد المشاركة في بعثات المشورة الفنية وتنظيم ورش عمل ومؤتمرات أو على صعيد إعداد تقارير ودراسات مشتركة.

من جانب آخر، عمل الصندوق على تعزيز مشاركة المؤسسات الإقليمية والدولية في أعمال مجلس وزراء المالية العرب ومجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية واللجان والفرق المنبثقة عنهما، من خلال تقديم أوراق عمل في اجتماعات المجالس واللجان بما يتيح الفرصة لنقل التجارب والخبرات حول القضايا والمواضيع المطروحة. كما يسعى الصندوق كذلك إلى تكثيف تعاونه مع المؤسسات ذات الصلة في البلدان الأعضاء في عدد من المجالات الاقتصادية والمالية والمصرفية والاحصائية والبحثية، بما يخدم تطوير أنشطته وأعماله، استجابة لاحتياجات وأولويات الاقتصادات العربية.
 

أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والإخوة،
 
 تلك هي بعض الملامح لأنشطة الصندوق التي نعتزم التأكيد عليها وتطويرها في المرحلة القادمة، سعياً لتعزيز الدور الريادي والمرموق لهذه المؤسسة المالية العربية. ولا شك أن نجاح هذه المساعي، مرتبط بدعم وتشجيع المجلس الموقر لمحافظي الصندوق، متطلعاً في هذه المناسبة للاستماع إلى نصح المجلس الموقر وتوجيهاته بما يُمكن الصندوق من تحقيق ما تصبو إليه دوله الأعضاء.
 
لم يتبق لي في هذه الكلمة إلا أن أتوجه بالشكر والعرفان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر كل من صندوق النقد العربي وبرنامج تمويل التجارة العربية والمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية، على توفيرها لكافة التسهيلات التي تساعد على تحقيق كل من الصندوق والبرنامج والمؤسسة للأهداف المرجوة منهما.

في الختام لا يسعني إلا أن أشكر مرة أخرى بلدنا العزيز المملكة المغربية ملكاً وحكومة وشعباً على استضافة الاجتماعات راجياً لهذا البلد العزيز الكريم المضياف مزيداً من التقدم والازدهار، كما أرجو لاجتماعاتنا كل التوفيق والنجاح.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،