معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في افتتاح ورشة العمل حول "الاقتصاد الدائري للكربون"

استمرار الاعتماد على منتجات كثيفة الكربون في المرحلة الحالية، يتطلب نظم طاقة مستدامة

بناء أنظمة طاقة مستدامة يتطلب التركيز على أمن الطاقة، وكفاءتها، والاستدامة البيئية

اهتمام متزايد لبناء مرافق لاحتجاز وتخزين الكربون في الدول العربية

التمويل، أهم التحديات التي تواجه مستقبل الاقتصاد الدائري للكربون

ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي كلمة في افتتاح ورشة العمل حول الاقتصاد الدائري للكربون، التي نظمها الصندوق "عن بُعد" بالتعاون مع وزارة المالية والبرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون في المملكة العربية السعودية يوم أمس الثلاثاء 25 أكتوبر2022.  

 

أكد معاليه في بداية الكلمة أن زيادة مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّي أدّت إلى توجيه الجهود الدولية نحو إدارة رشيدة للانبعاثات الكربونية باعتبارها المسؤول الرئيس عن الاحتباس الحراري، مشيراً في هذا الصدد أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن ارتفاع استهلاك الفحم بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق، منوهاً أن انتاج الطاقة الكهربائية واستهلاك الفحم شكلا نحو 46 و40 في المائة على الترتيب من النمو الإجمالي في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية في عام 2021. بيّن معاليه كذلك أن الاعتماد الدولي على منتجات كثيفة الكربون سيستمر في الفترة الحالية، نظراً لمحدودية أو عدم وجود بدائل لبعض الأنشطة الرئيسة.

 

في السياق نفسه، أكد معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، أن بناء أنظمة طاقة صحية آمنة وذات كفاءة ومستدامة بيئياً، يتطلب الأخذ في الحسبان ثلاثة أبعاد رئيسة تمثّل الركائز الأساسية لاستدامة أنظمة الطاقة، هي: أمن الطاقة، وكفاءة الطاقة، والاستدامة البيئية، مشيراً في هذا الصدد أن المنطقة العربية سجلت درجات عالية في بُعد كفاءة الطاقة.

 

في سياق متصل، أشار معاليه أن العديد من الدول العربية وضعت أهدافًا طموحة للطاقة المتجددة على المدى المتوسط والطويل، مع الالتزام بخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة الأحفوري. كما نوّه معاليه إلى أن الدول العربية تبذل جهوداً جد معتبرة في مجال الاقتصاد الدائري للكربون، حيث قطعت أشواطاً هامّة في هذا المجال، في سياق عملية نشر تقنية احتجاز وتخزين الكربون، مشيراً إلى البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون في المملكة العربية السعودية، وقيام سوق أبوظبي المالي العالمي بإطلاق مبادرة لتداول عقود الكربون، وإطلاق بورصة إلكترونية لتداول أرصدة الكربون وغرفة المقاصة الخاصة به، إلى جانب افتتاح مقراً للمعهد العالمي لاحتجاز وتخزين واستخدام الكربون في دولة الامارات العربية المتحدة.

 

كما أشار معالي الدكتور الحميدي، أن هناك ثلاثة مرافق قيد التشغيل لاحتجاز وتخزين الكربون في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، مبيناً أنها تحتجز حوالي 10 في المائة من ثاني أكسيد الكربون العالمي الذي يتم التقاطه سنوياً، منوهاً أن حصة المنطقة العربية تبلغ نحو 3.7 مليون طن سنوياً، من أصل 40 مليون طن سنوياً من الكربون الذي تم احتجازه عالمياً في عام 2020.

 

أشار معاليه كذلك إلى أن مستقبل الاقتصاد الدائري للكربون مرهون بفُرص الاستفادة من استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون، لاسيما ما يعرف بالهيدروجين الأزرق الذي يعتمد انتاجه على الوقود الأحفوري من خلال احتجاز الكربون وتخزينه. من جهة أخرى أشار معاليه إلى أن تمويل الاقتصاد الدائري للكربون يعد من بين أهم التحديات التي تواجه مستقبل الاقتصاد الدائري للكربون.

 

في الختام، أكد معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي حرص الصندوق على توسيع تعاونه وبناء شراكات مع جميع الأطر والمؤسسات الاقليمية والدولية للعمل معاً في سبيل تعزيز فرص التعاون والتنسيق على مستوى السلطات الرقابية والاشرافية، نحو تبني آليات فعّالة لإدارة مخاطر التغيرات المناخية، لبناء نظم طاقة مستدامة تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:

أصحاب المعالي والسعادة

حضرات السيدات والسادة الحضور،

أسعد الله أوقاتكم بكل خير،

يسرني أن أرحب بكم في افتتاح ورشة العمل رفيعة المستوى التي تنعقد "عن بعد" حول "تحديات ومتطلبات تعزيز الأمن الغذائي في الدول العربية: التداعيات على الاستقرار الاقتصادي والمالي ودور السياسات الاقتصادية الكلية" على مستوى كبار المسؤولين في وزارات الزراعة، والمالية، والاقتصاد والتجارة، والمصارف المركزية العربية، بالإضافة إلى المنظمات الإقليمية والدولية.

وإذ أشكر جميع الزميلات والزملاء من هذه المؤسسات على مشاركتهم في الورشة، فإننا نتطلع إلى مداولاتها بما يعزز من إدراك السياسات المناسبة للتعامل مع قضايا الأمن الغذائي وتداعياته الاقتصادية، فضلاً عن مناقشة فرص تعزيز التعاون الإقليمي بما يخدم نقل المعرفة وتبادل التجارب والخبرات بين الدول العربية.

كما أنتهز هذه المناسبة لأعرب عن التقدير والامتنان لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، وبرنامج الغذاء العالمي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، والهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، ومؤسسة التمويل الدولية، والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ومعهد التمويل الدولي، على مشاركتهم والتحدث في الورشة. كما نقدر أيضاً مشاركة عدد من المسؤولين في السلطات الوطنية من وزارات المالية والزراعة والمصارف المركزية في الدول العربية في تقديم مداخلات خلال الورشة حول تجاربهم والسياسات المناسبة في هذا الصدد.

حضرات السيدات والسادة الحضور،

شهد العالم تطورات متسارعة خلال الفترة الماضية تمثلت بتداعيات جائحة كورونا وما تركته من أثر على مستويات النشاط الاقتصادي والإنتاج الزراعي، والتغيرات المناخية، وكذلك التطورات الدولية الراهنة وأثرها على ارتفاع أسعار الغذاء، ما دفع العديد من الدول المستوردة للسلع الغذائية الرئيسة لتكبد تكاليف مالية باهظة أثرت بصورة مباشرة على العجوزات المالية لديها.

يعتبر تحقيق الأمن الغذائي لأفراد المجتمع في العديد من الدول النامية بمثابة الشغل الشاغل لحكومات دولها. فوفقاً لإحصاءات البنك الدولي، من المتوقع أن يرتفع عدد الذين يعانون من انعدام الغذاء إلى أكثر من 135 مليون شخص خلال السنوات القادمة.

يتطلب ضمان تحقيق الأمن الغذائي، تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لوضع السياسات الاقتصادية اللازمة والاستفادة من التطورات التقنية المتسارعة. وتشير التوقعات إلى إمكانية تحسن الأمن الغذائي في الأجل القصير والمتوسط في حال صاحب ذلك مجموعة من السياسات الاقتصادية الكلية، وأيضاً صياغة الخطط الاستراتيجية والرؤى المستقبلية للقطاع الزراعي بما يساعد على تعزيز عملية التحول الهيكلي.

حضرات السيدات والسادة الحضور،

تواجه بعض دولنا العربية، تحديات عديدة تساهم في إبطاء عملية تحقيق هدف الأمن الغذائي. فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية والبشرية في هذه الدول، فإن القطاع الزراعي في الوطن العربي لم يحقق الإنتاجية المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب المحلي على الغذاء.   وتشير الإحصاءات الواردة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى اتساع الفجوة الغذائية، حيث أصبحت غالبية الدول العربية تستورد حوالي نصف احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسة. كذلك تشير إحصاءات الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، إلى أن متوسط القيمة الإجمالية للعجز في السلع الغذائية الأساسية في الدول العربية بلغ حوالي 42 مليار دولار أمريكي.  

وعلى الرغم من هذه التحديات، فان الجهود الإقليمية ما زالت مستمرة لتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة العربية (مثال: إعلان نواكشوط للأمن الغذائي العربي المستدام – أبريل 2022)، الذي حدد عدد من الإجراءات والتدابير التي من شانها تعزيز الأمن الغذائي في المنطقة، ومبادرة الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي لتغطية العجز في السلع الغذائية بالوطن العربي، إضافة إلى مبادرة مؤسسات وصناديق مجموعة التنسيق العربية.

كذلك حرص صندوق النقد العربي في إطار برامجه وأنشطته المختلفة على تناول مواضيع الأمن الغذائي، وتعزيز الحوار لتبادل الخبرات والتجارب ونقل المعرفة، ويأتي تنظيم هذه الورشة في إطار هذا الحرص

حضرات السيدات والسادة الحضور،

تتناول الورشة موضوع الأمن الغذائي من عدة محاور، حيث تناقش تداعيات تغيرات المناخ على السياسات والإنتاج الزراعي، وآليات عمل نظام الغذاء العالمي: محددات الأسعار، واتجاهات سلاسل الإنتاج الغذائي العالمي. كما تتطرق الورشة لتداعيات مخاطر انعدام الأمن الغذائي على الاستقرار الاقتصادي والمالي ودور السياستين المالية والنقدية، بما يشمل السياسات التنظيمية لتطوير آليات عمل أسواق السلع الغذائية للحد من الضغوط التضخمية.

 كما تتناول متطلبات وسياسات الأمن الغذائي في الدول العربية: الواقع والتحديات والفرص، وذلك من حيث واقع الأمن الغذائي في الدول العربية والتعريف بالجهود الحالية، ومحددات ومتطلبات بناء إستراتيجيات وطنية للأمن الغذائي، إضافة إلى استعراض الدروس المستفادة من أفضل الممارسات العربية والدولية لتحقيق الأمن الغذائي.

 كما لا يخفى عليكم أهمية الوصول للتمويل، حيث تناقش الورشة تحديات التمويل الزراعي: فرص تعزيز وصول المجتمعات الزراعية للتمويل والخدمات المالية ودور المؤسسات المالية والمصرفية. أخيراً، تتطرق الورشة إلى دور التقنيات الحديثة في تحقيق الأمن الغذائي، من حيث الاتجاهات الحالية في التقنيات الحديثة والفرص الكامنة لتطوير الإنتاج الزراعي في الدول العربية، إضافة إلى عرض تجارب عربية ودولية في استخدام التقنيات الحديثة لتحقيق الأمن الغذائي.

 حضرات السيدات والسادة الحضور،

قبل الختام، أتطلع أن تساهم مناقشاتكم اليوم في إطلاق تنسيق إقليمي لمواصلة الحوار حول سبل الارتقاء بسياسات اقتصادية تساهم في تحقيق الأمن الغذائي بما يحقق الاستدامة والاستقرار. ولا شك أن صندوق النقد العربي على أتم الاستعداد للمساعدة في هذا الصدد.

أخيراً، لا يفوتني في هذه المناسبة، إلا أن أجدد الشكر والعرفان لدولة مقر صندوق النقد العربي، دولة الإمارات العربية المتحدة، على ما تقدمه من تسهيلات كبيرة تساهم في نجاح الصندوق في سعيه لتحقيق أهدافه.

أشكر لكم حضوركم، متطلعين للترحيب بكم في أبو ظبي في مناسبات قريبة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.