معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في افتتاح مؤتمر حول الانتقال نحو الاقتصاد الدائري للكربون لتحقيق التنمية المستدامة

الاقتصاد الدائري للكربون فرصة فريدة لتقليل الانبعاثات ودفع النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل

الفحم يتسبب في أعلى انبعاثات لثاني أكسيد الكربون 

ثلاثة مرافق قيد التشغيل لاحتجاز وتخزين الكربون في الدول العربية التي تتجه نحو الريادة

الدول العربية تحتجز نسبة 10 في المائة من ثاني أكسيد الكربون المحتجز عالمياً 

ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي كلمة في افتتاح مؤتمر الانتقال للاقتصاد الدائري للكربون لتحقيق التنمية المستدامة في الدول العربية الذي انطلقت فعالياته يوم الأربعاء 22 فبراير (شُباط) 2023.

 

أكد معاليه في بداية الكلمة أن الاقتصاد الدائري للكربون يعتمد على مبادئ الاقتصاد الدائري، الذي يسعى إلى الاحتفاظ بالموارد قيد الاستخدام لأطول فترة ممكنة، واستخراج أقصى قيمة مضافة منها، ومن ثم استعادتها وتجديدها. يمكن أن يساعد هذا النهج على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين كفاءة الموارد، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة في دولنا العربية.

 

في السياق نفسه، أكد معاليه أنّ العالم يواجه تحديات بيئية تفرضها تغيرات المناخ والاستغلال غير المستدام للموارد، وتحديات أمن الطاقة، حيث يوفّر الاقتصاد الدائري للكربون فرصة فريدة ليس فقط لتقليل انبعاثات الكربون، ولكن أيضًا لدفع النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.   

في سياق متصل أشار معاليه أن العديد من الدول العربية لديها الموارد والخبرة والإرادة للانتقال إلى الاقتصاد الدائري للكربون، وبإمكانها الاستفادة من الموارد الطبيعية الوفيرة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة المستمدّة من الرياح، لإنشاء أنظمة طاقة منخفضة الكربون والاعتماد على الوقود الأحفوري مع إدارة الانبعاثات الكربونية الناجمة عنه. ويمكنها أيضًا تطوير تقنيات ونماذج أعمال مبتكرة تدعم الانتقال إلى الاقتصاد الدائري، وتخلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة الإنبعاثات، وإعادة التدوير.

 

كما أشار معالي الدكتور الحميدي، أن صندوق النّقد العربي يُولي اهتماماً بالغاً بمواضيع أمن الطاقة واستهداف الانبعاثات الكربونية، بدلاً من استهداف مصادر الطاقة الذي يؤدي إلى تشوهات في أسعارها، إضافة إلى هيكل الضريبة المفروضة خاصة من الدول المتقدمة على مصادر الطاقة بطريقة غير عادلة، مما يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص في سوق الطاقة، ويجعل بعض المصادر أغلى من غيرها بسبب السياسات الضريبية وليس قوى السوق. وهو ما ينعكس على استقرار وأمن العرض والطلب على الطاقة، بما في ذلك الوصول إلى مصادر الطاقة الموثوقة وميسورة التكلفة، والقدرة على الحفاظ على البنية التحتية للطاقة وتحسينها، ذلك يمثّل جوهر أمن الطاقة. حيث يعمل الصندوق على تنظيم العديد من الورش التدريبيّة، وإعداد الدّراسات والبحوث المتخصِّصة في الموضوع، والأدلّة الإرشاديّة بالتعاون مع الجهات المعنية في الدول العربيّة، والهيئات والمؤسّسات الماليّة الدوليّة، لاسيّما صندوق النّقد الدوّلي، والبنك الدّولي، وبنك التسويّات الدوليّة. 

 

في الختام، أكد معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي حرص الصندوق على توسيع تعاونه وبناء شراكات مع جميع الأطر والمؤسسات الإقليمية والدولية للعمل معاً في سبيل تعزيز فرص التعاون والتنسيق على مستوى السلطات الرقابية والإشرافية، نحو تعزيز أمن الطاقة واستهداف الانبعاثات الكربونية بما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في دولنا العربية.

 

وفيما يلي النص الكامل للكلمة: 

أصحاب السعادة،

 حضرات السيدات والسادة،

 

أسعد الله أوقاتكم بكل خير وسرور،

 

يسعدني في البداية أن أرحب بكم جمعياً، في افتتاح مؤتمر "دعم الانتقال للاقتصاد الدائري للكربون لتحقيق التنمية المستدامة"، الذي ينظّمه صندوق النقد العربي. يُعدّ هذا المؤتمر جزءاً من سلسلة المشاورات التي يجريها الصندوق بين صانعي السياسات في المنطقة العربية في مواضيع التمويل الأخضر والمستدام وإدارة مخاطر التغيرات المناخية. 

 

السيدات والسادة الحضور،

 

يواجه العالم تحديات بيئية تفرضها تغيرات المناخ والاستخدام غير المستدام للموارد، وتحديات أمن الطاقة، حيث يوفّر الاقتصاد الدائري للكربون فرصة فريدة ليس فقط لتقليل انبعاثات الكربون، ولكن أيضًا لدفع النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.

كما تعلمون يعتمد مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون على مبادئ الاقتصاد الدائري، الذي يسعى إلى الاحتفاظ بالموارد قيد الاستخدام لأطول فترة ممكنة، واستخراج أقصى قيمة مضافة منها، ومن ثم استعادتها وتجديدها. يساعد هذا النهج على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين كفاءة الموارد، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة في دولنا العربية.

تختلف الانبعاثات الكربونية تبعاً لمصادر الطاقة، حيث بلغت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن ارتفاع استهلاك الفحم مستويات مرتفعة في عام 2021 وصلت إلى 15.3 جيجا طن، علماً وأن الفحم يمثّل 40 في المائة من النمو الإجمالي في الانبعاثات على المستوى العالمي. 

 

 

 

 

السيدات والسادة الحضور،

مع اتساع استخدامات مصادر الطاقة، وتذبذب أسعارها، تتجه الأنظار مباشرة إلى مصادر الوقود الأحفوري لاسيما النفط والغاز، لتصنيفهما كمسؤول أول عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المضرّة بالبيئة، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2)، في ظل ما تشهده الكرة الأرضية في السنوات الأخيرة من تغيرات مناخية شديدة، وانعكاساتها على القطاعات الاقتصادية والمالية. يؤدي استهداف مصادر الطاقة بدلاً من استهداف الانبعاثات الكربونية إلى تشوهات في أسعار الطاقة، إضافة إلى هيكل الضريبة المفروضة خاصة من الدول المتقدمة على مصادر الطاقة بطريقة غير عادلة، مما يؤدي عدم تكافؤ الفرص في سوق الطاقة، ويجعل بعض المصادر أغلى من غيرها بسبب السياسات الضريبية وليس قوى السوق. وهو ما ينعكس على استقرار وأمن العرض والطلب على الطاقة، بما في ذلك الوصول إلى مصادر الطاقة الموثوقة وميسورة التكلفة، والقدرة على الحفاظ على البنية التحتية للطاقة وتحسينها، ذلك يمثّل جوهر أمن الطاقة. 

 

تشير الإحصائيات الخاصة بمؤشرات استدامة سياسات الطاقة الصادرة عن المجلس العالمي للطاقة والتي تقوم على ثلاث أبعاد هي: أمن الطاقة، كفاءة الطاقة، الاستدامة البيئية لأنظمة الطاقة أن المنطقة العربية سجّلت درجات عالية على صعيد كفاءة الطاقة، من خلال توفير طاقة ميسورة التكلفة. فيما يتعلق بأمن الطاقة، فقد كان أقل مما هو متوقع في المنطقة، خاصة وأن المنطقة تحتوي على ما يقارب 50 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، ونحو 40 في المائة من احتياطيات الغاز الطبيعي على مستوى العالم. يرجع ذلك إلى انخفاض الأداء في المؤشرات التي تقيس تنوّع إمدادات الطاقة الأولية وتوليد الكهرباء في عدد من الدول العربية. تبقى أكبر فرصة للتحسينات في المؤشر من خلال بُعد الاستدامة البيئية، ويرجع ذلك جزئياً إلى التوزيع غير المتكافئ للطاقة المتجددة، والحاجة إلى تسريع تنفيذ وتطبيق كفاءة الطاقة.

السيدات والسادة الحضور،

كما تعلمون، لدينا في العالم العربي موارد وخبرة وإرادة للانتقال إلى الاقتصاد الدائري للكربون تستند إلى استخدام الوقود الأحفوري مع إدارة الانبعاثات الكربونية. إضافةً لذلك فإنه لدينا الموارد الطبيعية الوفيرة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة المستمدّة من الرياح، لإنشاء أنظمة طاقة منخفضة الكربون، وعليه فيمكننا تطوير تقنيات ونماذج أعمال مبتكرة تدعم الانتقال إلى الاقتصاد الدائري، وتخلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة الإنبعاثات، وإعادة التدوير.

لقد وضعت العديد من الدول العربية أهدافاً طموحة للطاقات المتجددة على المديين المتوسط والطويل، ليتم تحقيقها في آفاق 2030 و2050، مع الالتزام أيضاً بخفض انبعاثات قطاع الطاقة الأحفورية. في هذا السياق، تبذل الدول العربية جهوداً معتبرة في مجال الاقتصاد الدائري للكربون، حيث قطعت أشواطاً هامّة في سياق عملية نشر تقنية احتجاز وتخزين الكربون، في الوقت الراهن وعلى المدى القصير. ​

أطلقت المملكة العربية السعودية البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون خلال رئاستها لمجموعة العشرين. كما بادر سوق أبوظبي المالي العالمي باطلاق مبادرة لتداول عقود الكربون في 2022، وإطلاق بورصة إلكترونية لتداول أرصدة الكربون وغرفة المقاصة الخاصة بها، وتم افتتاح مقرٍ للمعهد العالمي لاحتجاز وتخزين واستخدام الكربون في أبوظبي خلال عام 2022. كما أعلنت جمهورية مصر العربية عن إطلاق سوق الكربون التطوعي بالبورصة المصرية خلال استضافتها مؤتمر الأطراف (COP27) في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وذلك في سياق الدور المتنامي للبورصة في التمويل المستدام في الاقتصاد الإقليمي والمحلي، وبهدف تشجيع التحول إلى الاقتصاد الأخضر بما يتماشى مع رؤية مصر 2030. وتعتزم بورصات عربية أخرى، إطلاق خدمات تداول شهادات أو عقود الكربون.

في نفس السياق، يشير واقع احتجاز وتخزين الكربون في الدول العربية إلى أن هناك ثلاثة مرافق قيد التشغيل لاحتجاز وتخزين الكربون في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، وهي تحتجز حوالي 10 في المائة من غاز ثاني أكسيد الكربون العالمي الذي يتم التقاطه سنوياً والمقدّر بنحو 40 مليون طن في عام 2020.  

السيدات والسادة الحضور،

 

يركّز مستقبل الاقتصاد الدائري للكربون على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتخفيف آثار تغير المناخ من خلال تصميم أنظمة تحتفظ بالكربون قيد الاستخدام، بدلاً من إطلاقه في الغلاف الجوي. يتضمن ذلك إنشاء أنظمة الدائرة المغلقة حيث يتم تقليل النفايات إلى الحد الأدنى، ويتم الحفاظ على المواد والطاقة. تشمل المكونات الرئيسة للاقتصاد الدائري للكربون استخدام الطاقة المتجددة، واحتجاز الكربون وتخزينه، والزراعة المستدامة، وتطوير تقنيات جديدة لإعادة التدوير وإعادة استخدام المواد القائمة على الكربون، وذلك بهدف إنشاء نظام اقتصادي مستدام يوازن بين النمو الاقتصادي وأمن الطاقة وحماية البيئة.

إن مستقبل الاقتصاد الدائري للكربون مرهونٌ بفُرص الاستفادة من استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون، لاسيما ما يعرف بالهيدروجين الأزرق الذي يُشتق من الغاز الطبيعي من خلال عملية إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، ويعتمد إنتاجه على احتجاز الكربون وتخزينه. حيث يمكّن الهيدروجين النظيف من تحقيق تراجعٍ للانبعاثات بعدة أطنان سنوياً عند استخدامه في الصناعات والنقل والطاقة المستقرة.

 

السيدات والسادة الحضور،

 

يهدف صندوق النقد العربي من هذا المؤتمر إلى تسليط الضوء على الواقع، الآفاق والتحديات الحالية والمستقبلية للاقتصاد الدائري للكربون في منطقتنا العربية، وما لذلك من أهمية في تحقيق الحياد الكربوني، الذي يهدف إلى الحد من مخاطر التغيرات المناخية، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، مع الاستمرار في الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية وتعزيز أمن الطاقة، وتحويل الانبعاثات الكربونية إلى سلع ذات قيمة مضافة اقتصادية من خلال تقنيات تخزين واستخدام ثاني أكسيد الكربون.  

 

يُناقش المؤتمر الذي يدوم يومين، أمن الطاقة والتنمية المستدامة، والإطار العام للاقتصاد الدائري للكربون وأهميته البيئية والاقتصادية والمجتمعية، حيث سيتم التطرق إلى الأبعاد المالية   والاقتصادية والبيئية للاقتصاد الدائري للكربون، ودور التقنيات الحديثة في الانتقال للاقتصاد الدائري للكربون، من خلال عرض تجارب إقليمية ودولية في هذا المجال والدروس المستفادة منها  مروراً بعرض التقنيات ذات الأولوية في قطاع الاقتصاد الدائري للكربون، وإبراز دور التعاون الإقليمي والمؤسسات الإقليمية والدولية في دعم جهود الانتقال إلى الاقتصاد الدائري للكربون. 

 

تعتبر محاور اهتمام هذا المؤتمر تكملةً لأنشطة ماضية ومستقبلية للصندوق في مجال إدارة التغيرات المناخية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك وفقاً لرؤية صندوق النقد العربي 2040 أن يكون الشريك الأقرب للدول العربية في تفاعلها مع التطورات لتعزيز التنمية المستدامة في الدول العربية.   

أرجو بلوغ الأهداف المنشودة لهذا المؤتمر متطلعاً للمزيد من الأنشطة في مواضيع تطبيقات الاقتصاد الدائري للكربون، بما يخدم تطوير التنمية المستدامة بصفة عامة والقطاع المالي والمصرفي بصفة خاصة.

 

كما أجدد التقدير والامتنان في هذه المناسبة لجميع الزميلات والزملاء في دولنا العربية، وفي المؤسسات الإقليمية والدولية على حسن تعاونهم في إنجاح هذا المؤتمر، متطلعين للعمل مجدداً معهم في فعاليات أخرى. 

 

كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر لدولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر صندوق النقد العربي على الرعاية التي توليها للصندوق بما يساهم دون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،