معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبد الله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في افتتاح أعمال المنتدى السادس للمالية العامة في الدول العربية

تداعيات كبيرة لجائحة كورونا على النمو والبطالة والمديونية

أهمية الإسراع بعملية التحول الرقمي في المالية العامة لتعزيز الشفافية والحوكمة

2.7 في المائة معدل النمو المتوقع للدول العربية عن عام 2021

دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التعافي واستعادة مسار النمو الشامل والمستدام

15 ترليون دولار أمريكي حجم الفجوة الاستثمارية في البنية التحتية على مستوى العالم التي يمكن تغطيتها من

خلال الشراكة مع القطاع الخاص

الحفاظ على تيسير السياسة المالية مع القدرة على تحمل الدين واستمرار تعزيز الاستدامة المالية

دور السياسات المالية في حماية المجتمعات والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي

ألقى معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال المنتدى السادس للمالية العامة في الدول العربية، الذي يعقد هذا العام "عن بعد"، تحت عنوان "إجراءات وتدابير التعافي في الدول العربية في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا". شارك في الاجتماع إلى جانب أصحاب المعالي وزراء المالية وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، ورؤساء المؤسسات المحلية والإقليمية والصناديق العربية، السيدة "كريستالينا جورجيفا"، المدير العام لصندوق النقد الدولي، وكلٍّ من مدير دائرة الشؤون المالية العامة ومدير دائرة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي.

بيّن معاليه في كلمته، أن جائحة كورونا كان لها تداعيات كبيرة على الأداء الاقتصادي وحجم التجارة الدولية  وتدفقات رؤوس الأموال، مما تسبب في فقدان عدد كبير من الوظائف، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية انكماشاً بنحو 5.5 في المائة في عام 2020. كما أكد معاليه أن هذه الجائحة كان لها انعكاسات مؤثرة على مستويات الدين العام، مشيراً في هذا الصدد إلى أن نسبة متوسط الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة بلغت 120.1 في المائة مع نهاية عام 2020.

من جانب آخر، بيّن معالي الدكتور الحميدي أنه رغم الإصلاحات وحزم الدعم التي قدمتها الدول العربية لتعزيز فرص التعافي خلال عام 2021، إلا أن هناك مجموعة من التحديات في أعقاب الجائحة تستلزم متابعة الاهتمام لمعاودة التعافي واستعادة تحقيق النمو الشامل والمستدام، أبرزها أهمية الحفاظ على تيسير السياسة المالية مع القدرة على تحمل الدين واستمرار تعزيز الاستدامة المالية، وتبني سياسات سوق العمل بهدف الحد من فقدان الوظائف، خصوصاً في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي يساهم بنسبة 45 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، ويمثل ثُلث فرص العمل في القطاع الرسمي. كما أشار معاليه أنه من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية نمواً بنحو 2.7 في المائة و 5.2 في المائة في عامي 2021 و 2022، على التوالي، مقارنةً بنسبة نمو للاقتصاد العالمي بنحو 5.8 في المائة و 4.8 في المائة خلال نفس الفترة.

أشاد معالي الدكتور الحميدي بالإصلاحات التي تعمل عليها الدول العربية للتعافي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا  في إطار خططها الوطنية الهادفة إلى التحول الرقمي ومساعيها للإصلاح المالي، من حيث الإسراع بعملية التحول نحو رقمنة المالية العامة لتعزيز الحوكمة والشفافية، بما يساعد على تعزيز مستوى الثقة، مؤكداً في هذا الصدد على الفرص الواعدة أمام الاقتصادات العربية للاستفادة من رقمنة المالية العامة لزيادة كفاءتها وتعزيز الشفافية والمساءلة والحوكمة.

نوّه معالي الدكتور الحميدي من جانب آخر، بسعي الحكومات العربية لتبني رقمنة المالية العامة وإقرار الأطر التشريعية والتنظيمية والمؤسسية اللازمة لذلك، مبرزاً أهمية المواءمة بين اغتنام الفرص المرتبطة بهذا التحول لتطوير وزيادة مستويات كفاءة الأداء الاقتصادي وتحقيق نقلة نوعية في السياسات العامة وتحسين الخدمات الحكومية بما ينعكس إيجاباً على رفاهية المواطنين، وبين التقليل في ذات الوقت من المخاطر والتحديات التي ترتبط برقمنة المالية العامة، خاصة فيما يتعلق بحماية الخصوصية وسرية البيانات ودعم الأمن السيبراني، بما يزيد من مستوى ثقة المتعاملين في الأنظمة المرتبطة برقمنة المالية العامة، لاسيما في ضوء حجم المعاملات الضخم الذي يتم عبر هذه الأنظمة.

أكد معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة على دور السياسات المالية في حماية المجتمعات والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وما يتطلبه ذلك من استخدام أكثر كفاءة للموارد من خلال دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تمثل في عالم اليوم إحدى أهم الاتجاهات العالمية في صناعة الخدمات العامة والبنية التحتية التي تسهر الدول على تقديمها لأفراد المجتمع سعياً منها لتلبية احتياجاتهم بالاتجاه الذي يرفع من معدلات الرفاه الاقتصادي لديهم. أشار الى الفرص التي يتيحها تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في تغطية الفجوة الاستثمارية التي تقدر بنحو 15 يرليون دولار أمريكي على مستوى العالم.

من جانب آخر، أشار معالي الدكتور الحميدي أن الدول العربية لم تكن خارج خريطة الشراكة العالمية، حيث سلك العديد منها خلال السنوات الماضية طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأداة فاعلة لتنفيذ مشاريعها التنموية الطموحة بديلاً عن أسلوب المشتريات العامة، وأدمجت الشراكة ضمن رؤاها الاستراتيجية وخططها الاقتصادية طويلة الأمد التي تستهدف تلبية الاحتياجات المتزايدة للمجتمع من هذه الخدمات، إضافةً إلى مواكبة التغيرات الحاصلة على الصعيدين العربي والعالمي.

كما بيّن معاليه أن المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا لتحقيق التعافي واستعادة مسار النمو الشامل والمستدام، مع المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، مؤكداً على أهمية الاستفادة منه في تعزيز إدراك الأولويات على صعيد مواجهة التعافي من أزمة كورونا وتعزيز الحوكمة والشفافية والتحول إلى الاقتصاد الرقمي ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الدول العربية، الأمر الذي يساعد على تطوير البرامج والأنشطة في هذا الشأن، وينسجم مع الأولويات والاحتياجات.

في الختام، ثمّن معالي الدكتور الحميدي جهود دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر الصندوق على الرعاية والدعم الكبير الذي تقدمه باعتبارها دولة مقر صندوق النقد العربي، الذي يساهم بدون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به. كما قدم معالي المدير العام الشكر لصندوق النقد الدولي، ولأصحاب المعالي وزراء المالية وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية وبقية المشاركين على حضورهم ومشاركتهم.

نص الكلمة:

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

أسعد الله أوقاتكم،

إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم في المنتدى السادس للمالية العامة للدول العربية، الذي ينظمه كلٍّ من صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي، استجابةً لتوجيهات أصحاب المعالي وزراء المالية العرب، بالاستمرار في عقد المنتدى كملتقى سنوي لصانعي السياسات المالية في دولنا العربية. تعكس الموضوعات المطروحة، متطلبات التعافي في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا، وما يرتبط بذلك من سياسات وإجراءات لحماية اقتصاداتنا والاستمرار في أداء الأنشطة الاقتصادية والمالية والاجتماعية بشكل كُفء وفعّال.

اسمحوا لي بدايةً، أن أعرب عن خالص التقدير للسيدة "كريستالينا جورجيفا"، المدير العام لصندوق النقد الدولي، لحرصها على التواجد معنا في المنتدى، وإلقاء كلمة المتحدث الرئيس فيه، والشكر موصول أيضاً للسيدين فيتور غاسبر مدير دائرة الشؤون المالية العامة وجهاد أزعور مدير دائرة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي، وزملائهم في الصندوق على جهودهم وتعاونهم مع زملائي في صندوق النقد العربي، في الإعداد والتحضير للمنتدى والمساهمة في نجاحه وتحقيق الأغراض المنشودة منه.

كما لا يفوتني أيضاً في هذه الافتتاحية، التعبير عن خالص الشكر والإمتنان لمعالي محمد هادي الحسيني، وزير الدولة للشؤون المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، على تكرمه بالمشاركة في افتتاح المنتدى، وحرصه على المساهمة في الفعاليات التي ينظمها صندوق النقد العربي.

كما أود أيضاً أن أعرب عن خالص الامتنان والشكر لأصحاب المعالي وزراء المالية العرب وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية ورؤساء المؤسسات المحلية والإقليمية والصناديق العربية، الذين شرفونا اليوم بمشاركتهم في المنتدى، الأمر الذي يجسد حرصهم على تعزيز فرص تبادل التجارب والخبرات بين الدول العربية في مناقشة دور السياسات الاقتصادية والمالية في دعم مرحلة التعافي وسبل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمالي وتعزيز النمو الشامل والمستدام.

والشكر كذلك موصول لجميع المسؤولين والخبراء والمتحدثين من المؤسسات الدولية والهيئات والوزارات العربية والدولية على تفضلهم بالمشاركة في المنتدى، بما يسهم في إثراء النقاش حول مختلف قضايا المالية العامة وسياسات الإصلاح ودعم الاستقرار الاقتصادي.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

كان لجائحة كورونا تداعيات كبيرة على الأداء الاقتصادي وحجم التجارة الدولية وتدفقات رؤوس الأموال، مما تسبب في فقدان عدد كبير من الوظائف، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية كما تعلمون إنكماشاً بنحو 5.5 في المائة عن عام 2020، مقارنةً بانكماش للاقتصاد العالمي بنحو 3.1 في المائة للعام نفسه. كما ارتفع معدل البطالة في الدول العربية ليصل إلى نحو 11.5 في المائة في عام 2020.

كما انعكست تداعيات جائحة كورونا على ارتفاع الدين العام، حيث تُشير إحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021 إلى أن نسبة متوسط الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة ارتفعت لتبلغ نحو 120.1 في المائة مع نهاية عام 2020.

إلا أن الاصلاحات وحزم الدعم التي قدمتها الدول العربية لمواجهة جائحة كورونا وبدء تعافي الاقتصاد العالمي، قد مكّنت من تعزيز فرص التعافي خلال عام 2021. مع ذلك، هناك مجموعة من التحديات في أعقاب الجائحة تستلزم متابعة الاهتمام لمعاودة التعافي واستعادة تحقيق النمو الشامل والمستدام. لعلَّ من أبرزها أهمية الحفاظ على تيسير السياسة المالية مع القدرة على تحمل الدين واستمرار تعزيز الاستدامة المالية، وذلك بالتخصيص الفعّال للموارد بين القطاعات الاقتصادية المختلفة لمواكبة التحول الهيكلي الذي فرضته الجائحة. كما من الضروري تبني سياسات سوق العمل بهدف الحد من فقدان الوظائف، خصوصاً في قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، الذي يساهم بنسبة 45 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، ويمثل ثُلث فرص العمل في القطاع الرسمي.

في هذا السياق، يقدر أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، نمواً بنحو 2.7 في المائة و 5.2 في المائة عن عامي 2021 و 2022 على التوالي، مقارنةً بنسبة نمو للاقتصاد العالمي بنحو 5.8 في المائة و 4.8 في المائة خلال نفس الفترة.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

لا شك أن التحولات الرقمية غير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم قد أسفرت عن تحقيق مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية والتنافسية، وانعكست على آليات عمل وأداء السياسات الاقتصادية الكلية، من بينها المالية العامة، حيث اتجهت العديد من الحكومات للاستفادة من التقنيات الحديثة لتحسين الشفافية وزيادة مستويات فاعلية إدارة المالية العامة في تحقيق أهدافها من خلال تطوير آليات أكثر كفاءة لإدارة الإيرادات والنفقات العامة، بما يُحقق أهداف السياسة المالية. كما ترتبط رقمنة المالية العامة بتبني أحدث النظم التقنية فيما يتعلق بالجوانب الأخرى المرتبطة بالسياسة المالية، من بينها نظام إدارة المعلومات المالية الحكومية، ونظام إدارة الديون والتحليل، وغيرها من النظم التي تساعد في زيادة مستويات شفافية وشمولية ودقة العمليات المالية.

في هذا السياق، تشير التقديرات إلى أن التحول إلى عمليات التحصيل والدفع الإلكتروني على جانبي الموازنة العامة (الإيرادات والنفقات العامة) يُمكن أن يساعد على تحقيق وفورات اقتصادية سنوية تتراوح بين 0.8 و 1.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً في الدول النامية، أي ما يتراوح بين 220 و320 مليار دولار أمريكي.

لعل من أهم الإصلاحات التي من المستحسن أن تعمل عليها دولنا العربية للتعافي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا في إطار خططها الوطنية الهادفة إلى التحول الرقمي ومساعيها للإصلاح المالي، الإسراع بعملية التحول نحو رقمنة المالية العامة لتعزيز الحوكمة والشفافية، بما يساعد على تعزيز مستوى الثقة. ولا شك أن هناك فرص واعدة أمام الاقتصادات العربية للاستفادة من رقمنة المالية العامة لزيادة كفاءتها وتعزيز الشفافية والمساءلة والحوكمة.

تبرز في إطار سعي الحكومات العربية لتبني رقمنة المالية العامة وإقرار الأطر التشريعية والتنظيمية والمؤسسية اللازمة لذلك، أهمية المواءمة بين اغتنام الفرص المرتبطة بهذا التحول لتطوير وزيادة مستويات كفاءة الأداء الاقتصادي وتحقيق نقلة نوعية في السياسات العامة وتحسين الخدمات الحكومية بما ينعكس إيجاباً على رفاهية المواطنين، وبين التقليل في ذات الوقت من المخاطر والتحديات التي ترتبط برقمنة المالية العامة، خاصة فيما يتعلق بحماية الخصوصية وسرية البيانات ودعم الأمن السيبراني، بما يزيد من مستوى ثقة المتعاملين في الأنظمة المرتبطة برقمنة المالية العامة، لاسيما في ضوء حجم المعاملات الضخم الذي يتم عبر هذه الأنظمة.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

يبرز الآن أكثر من أي وقت مضى دور السياسات المالية في حماية المجتمعات والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وما يتطلبه ذلك من استخدام أكثر كفاءة للموارد من خلال دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تمثل في عالم اليوم إحدى أهم الاتجاهات العالمية في صناعة الخدمات العامة والبنية التحتية التي تسهر الدول على تقديمها لأفراد المجتمع سعياً منها لتلبية احتياجاتهم مثل، النقل، والاتصالات، والطاقة، والصحة، والتعليم، وغيرها، بالاتجاه الذي يرفع من معدلات الرفاه الاقتصادي للمواطنين ويقلل معدلات البطالة ويجذب الاستثمارات ويعزز الابتكارات ويحافظ على البيئة.

رغم أن مشاريع الشراكة قد بدأت في العالم المتقدم منذ عقود طويلة، إلاّ أنها سرعان ما انتشرت خلال السنوات الماضية، لتشمل الأسواق الناشئة والدول النامية أيضاً. وطبقاً لأحدث التقديرات، فإن حجم الاستثمارات الحالية في البنية التحتية على مستوى العالم يصل إلى حوالي 79 ترليون دولار أمريكي، فيما يقدر حجم الاستثمارات المطلوبة بنحو 94 ترليون دولار أمريكي، ما يعني وجود فجوة استثمارية تقدر بحوالي 15 ترليون دولار أمريكي، بالتالي فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تُعد إحدى الخيارات الاستراتيجية لتقليص هذه الفجوة.

بَيدَ أن نظرة دول العالم اليوم إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص باتت تتعدى حدود توفير الخدمات العامة التقليدية، لتطال إصلاح القطاع العام وتعزيز استدامة المالية العامة من خلال استخدام التمويل الخاص كبديل للتمويل العام، بالتالي تمكين الحكومات من إعادة تخصيص مواردها في مجالات حيوية أخرى، مما يقلل حاجتها للاقتراض، هذا فضلاً عن دور الشراكة في تعميق أسواق الدين، وتعزيز ريادة الأعمال، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وجميعها عوامل من شأنها تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصاديين.

دولنا العربية لم تكن خارج خريطة الشراكة العالمية، حيث سلك العديد منها خلال السنوات الماضية طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأداة فاعلة لتنفيذ مشاريعها التنموية الطموحة بديلاً عن أسلوب المشتريات العامة، وأدمجت الشراكة ضمن رؤاها الاستراتيجية وخططها الاقتصادية طويلة الأمد التي تستهدف تلبية الاحتياجات المتزايدة للمجتمع من هذه الخدمات، إضافةً إلى مواكبة التغيرات الحاصلة على الصعيدين العربي والعالمي.

لعلكم تتفقون معنا، أنه بالرغم من التباين القائم بين الدول العربية من حيث هياكلها الاقتصادية، ومراحل تنميتها، وأوضاعها الاقتصادية والمالية، إلاّ أن جميعها تشترك في تحدي مفاده كيفية الإرتقاء بكفاءة الخدمات العامة وتلبية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين نتيجةً للنمو السكاني والتوسع الحضري، بهدف تقليل الضغط على المالية العامة، وتجسير الهوة بين الإنفاقين الرأسمالي والجاري. منذ العام الماضي، أصبحت الدول العربية تواجه تحديات جديدة في ظل تداعيات جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على البرامج التنموية والأوضاع المالية لدولنا العربية. ورغم التحسن المتوقع في المؤشرات الاقتصادية الكلية في المنطقة العربية خلال العام الجاري في ظل التعافي الصحي من الجائحة الذي تشهده المنطقة العربية والعالم، يمكن القول إن النمو لا يزال هشاً في العديد من الدول العربية خاصةً الدول ذات الهوامش الخارجية الهشة والحيز المالي المحدود، حيث تسعى هذه الدول إلى تسريع التعافي الاقتصادي والصحي من خلال دعم القطاعات والشرائح الاجتماعية المتأثرة بالأزمة من جهة، وتعزيز الاستدامة المالية من جهة أخرى. تتعزز إمكانية الاستجابة لهذه التحديات في وجود شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، قوامها الحوار البنّاء فيما بينهما، وتوزيع جديد لأدوارهما من خلال تحمل القطاع الخاص مسؤولية دعم ريادة مشاريع التنمية الاقتصادية طويلة الأمد، لاسيما من خلال توظيف إمكانياته الكامنة وروح الابتكار والمخاطرة في تنفيذ وتمويل هذه المشاريع، وإحداث التحولات الرقمية المطلوبة في مجال البنية التحتية والخدمات العامة بمختلف قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

لا شك أن المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا لتحقيق التعافي واستعادة مسار النمو الشامل والمستدام، مع المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، نتطلع اليوم للمناقشات وتبادل الآراء، للاستفادة منها في تعزيز إدراكنا للأولويات على صعيد مواجهة التعافي من أزمة كورونا وتعزيز الحوكمة والشفافية والتحول إلى الاقتصاد الرقمي ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دولنا العربية، بما يساعد على تطوير البرامج والأنشطة في هذا الشأن، وينسجم مع الأولويات والاحتياجات.

قبل الختام، لا يفوتني في هذا الصدد أن أجدد الشكر والعرفان لدولة مقر صندوق النقد العربي، دولة الإمارات العربية المتحدة، لما تقدمه من تعاون ودعم لأنشطته.

أخيراً، أشكر مجدداً صندوق النقد الدولي ممثلاً بالسيدة "كريستالينا جورجيفا" وكافة زملاءها على المشاركة في تنظيم المنتدى، متطلعاً للمزيد من الارتقاء بالشراكة والتعاون بين المؤسستين. كما أشكر أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية وبقية المشاركين على حضورهم ومشاركتهم، راجياً مناقشات مثمرة للمنتدى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.