معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في افتتاح أعمال المنتدى السابع للمالية العامة في الدول العربية

  • معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في افتتاح أعمال المنتدى السابع للمالية العامة في الدول العربية

التطورات الدولية الراهنة تزيد من أهمية استمرار سياسات الإصلاح المالي

حزم التحفيز تجاوزت 400 مليار دولار أمريكي للسنوات الثلاث الماضية في المنطقة العربية

4.0 في المائة معدل النمو الاقتصادي للدول العربية المتوقع عن عام 2023

السياسة المالية يمكن أن تعزز تكيف الاقتصادات المتقدمة والنامية مع التغيرات المناخية وبناء القدرة على الصمود أمامها

مخاطر المالية العامة تؤثر على التدابير والإجراءات المخططة وتؤثر أيضاً على استدامة الدين العام

الدول العربية تمكنت من إحراز تقدم ملحوظ على صعيد تعبئة الإيرادات المحلية بفضل الجهود المبذولة،

نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بلغت نحو 10.2 في المائة في عام 2021 مقابل نحو 13.7 في المائة على مستوى العالم

ألقى معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال المنتدى السابع للمالية العامة في الدول العربية، الذي انعقد هذا العام يوم الأحد الموافق 12 فبراير 2023 في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، تحت عنوان "الاستدامة المالية في المنطقة العربية في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا: التحديات والفرص". شارك في الاجتماع إلى جانب أصحاب المعالي وزراء المالية وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، ورؤساء المؤسسات المحلية والإقليمية والصناديق العربية، السيدة "كريستالينا جورجيفا"، المدير العام لصندوق النقد الدولي، وكلٍّ من مدير دائرة الشؤون المالية العامة ومدير دائرة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي.

بيّن معاليه في كلمته أن الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة العربية يواجهون تحديات عديدة كانعكاس للتطورات الدولية والإقليمية الراهنة واستمرار تداعيات جائحة كورونا، حيث يمثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مثل الحبوب والطاقة، وتشديد السياسة النقدية برفع أسعار الفائدة للتخفيف من الموجة التضخمية العالمية، والمديونية المرتفعة لدى بعض الدول، وتأثر عدد من الدول الأخرى بآثار التغيرات المناخية مثل موجات الحر والجفاف، صوراً مهمة من هذه التحديات. كما أكد معاليه أن هذه الظروف الاستثنائية دفعت المؤسسات الدولية والإقليمية إلى إعادة تقييم الأوضاع الاقتصادية، من خلال إعادة النظر في توقعاتها للنمو الاقتصادي.

من جانب آخر، بيّن معالي الدكتور الحميدي أن أثر التطورات الدولية يختلف باختلاف طبيعة اقتصادات المنطقة العربية، حيث إن الدول المستوردة للنفط، تواجه عدداً من التحديات نتيجة ارتفاع مستويات العجوزات الداخلية والخارجية ومحدودية مستويات قدرتها على تعزيز الإنفاق الداعم للنمو، مقارنة بالدول المصدرة للنفط. في هذا السياق، تُشير إحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022 إلى أن نسبة متوسط الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة بلغت نحو 108.8 في المائة بنهاية عام 2021.

كما أشار معاليه أنه، وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، من المتوقع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي في المنطقة العربية عام 2022 نحو 5.4 في المائة، مقابل معدل 3.9 في المائة المسجل في عام 2021، مدفوعاً بالعديد من العوامل، تشمل: تحسن مستويات الطلب العالمي، وارتفاع معدلات نمو قطاعي النفط والغاز، واستمرار الدول العربية في تبني حزم التحفيز لدعم الاقتصاد، التي تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار أمريكي خلال الفترة (2020-2022)، إضافةً إلى تنفيذ العديد من برامج الإصلاح الاقتصادي والاستراتيجيات المستقبلية. كما يتوقع صندوق النقد العربي أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي للدول العربية نحو 4.0 في المائة في عام 2023، متأثراً بتراجع النشاط الاقتصادي عالمياً.

أشار معالي الدكتور الحميدي أن التكيف مع التغيرات المناخية وبناء القدرة على الصمود أمامها يُعتبر ضرورة للاقتصادات المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء، حيث من المفيد للدول أن تبدأ التخطيط لظروف مناخية جديدة الآن، وتطوير سياسات التكيف وتعزيز قدرتها على التنفيذ، مؤكداً أنه على الرغم من الفوائد المحتملة، لا يمكن أن يحل التكيف محل التخفيف، فكلاهما ضروري للمساعدة في الحد من الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية، من خلال تبني السياسة المالية المناسبة. من جانب آخر، أكد معالي الدكتور الحميدي أن إدارة مخاطر المالية العامة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، مبرزاً أنه مع ارتفاع مستويات الديون وضغوط الإنفاق المتزايدة، فإن هذه المخاطر يمكن أن تعطّل التدابير والإجراءات المخططة وتؤثر على استقرار الدين.

أكد معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة أنه على الرغم من التقدم الحاصل على صعيد الأنظمة الضريبية في المنطقة العربية، إلا أن العائدات الضريبية تُعد أقل من المستويات العالمية، حيث بلغت نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية نحو 10.2 في المائة في عام 2021 مقابل نحو 13.7 في المائة على مستوى العالم. كما أشار إلى أن بعض الدول العربية تمكنت من إحراز تقدم ملحوظ في تعبئة الإيرادات المحلية بفضل الجهود المبذولة، بما يعكس التقدم المحرز على صعيد إصلاحات السياسات الضريبية وإدارة الإيرادات التي تبنتها هذه الدول، الأمر الذي مكّنها من تحقيق مكاسب طويلة الأجل من خلال الحفاظ على إصلاحات تعبئة الإيرادات على مدى فترة زمنية طويلة نسبياً.

كما بيّن معاليه أن المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا لتحقيق التعافي واستعادة مسار النمو الشامل والمستدام، مع المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، مؤكداً على أهمية الاستفادة منه في تعزيز إدراك الأولويات، ودعم التعافي من أزمة جائحة كورونا، ومواجهة التطورات الدولية الراهنة، ودور السياسة المالية في إدارة فرص ومخاطر التغيرات المناخية، وإدارة مخاطر المالية العامة، وتعزيز تعبئة الإيرادات المحلية، بما يساعد على تطوير البرامج والأنشطة في هذا الشأن، وينسجم مع الأولويات والاحتياجات.

في الختام، ثمّن معالي الدكتور الحميدي جهود دولة الإمارات العربية المتحدة على الرعاية والدعم الكبير الذي تقدمه باعتبارها دولة مقر صندوق النقد العربي، الذي يساهم بدون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به. كما قدم معالي المدير العام الشكر لصندوق النقد الدولي، ولأصحاب المعالي وزراء المالية وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية وبقية المشاركين على حضورهم ومشاركتهم.

 

بهذه المناسبة جاء في كلمة معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي:

 

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

أسعد الله أوقاتكم،

 

إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم في المنتدى السابع للمالية العامة للدول العربية، الذي ينظمه كلٍّ من صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي بالتعاون مع وزارة المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، استجابةً لتوجيهات أصحاب المعالي وزراء المالية العرب، بالاستمرار في عقد المنتدى كملتقى سنوي لصانعي السياسات المالية في دولنا العربية. تعكس الموضوعات المطروحة، متطلبات التعافي في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا، وما يرتبط بذلك من سياسات وإجراءات لحماية اقتصاداتنا والاستمرار في أداء الأنشطة الاقتصادية والمالية والاجتماعية بشكل كُفء وفعّال في ظل التطورات الدولية الراهنة.

 

اسمحوا لي بدايةً، أن أعرب عن خالص التقدير للسيدة كريستالينا جورجيفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، لحرصها على التواجد معنا في المنتدى، وإلقاء كلمة المتحدث الرئيس فيه، والشكر موصول أيضاً للسيدين فيتور غاسبر مدير دائرة الشؤون المالية العامة وجهاد أزعور مدير دائرة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي، وزملائهم في الصندوق على جهودهم وتعاونهم مع زملائي في صندوق النقد العربي، في الإعداد والتحضير للمنتدى والمساهمة في نجاحه وتحقيق الأغراض المنشودة منه.

 

كما لا يفوتني أيضاً في هذه الافتتاحية، التعبير عن خالص الشكر والامتنان لمعالي محمد بن هادي الحسيني، وزير الدولة للشؤون المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، على تكرمه بالمشاركة في افتتاح المنتدى، وحرصه على المساهمة في الفعاليات التي ينظمها صندوق النقد العربي.

 

كما أود أيضاً أن أعرب عن خالص الامتنان والشكر لأصحاب المعالي وزراء المالية العرب وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية ورؤساء المؤسسات المحلية والإقليمية والصناديق العربية، الذين شرفونا اليوم بمشاركتهم في المنتدى، الأمر الذي يجسد حرصهم على تعزيز فرص تبادل التجارب والخبرات بين الدول العربية في مناقشة الاستدامة المالية في المنطقة العربية في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا وسبل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمالي وتعزيز النمو الشامل والمستدام في ظل التطورات الدولية الراهنة.

 

والشكر كذلك موصول لجميع المسؤولين والخبراء والمتحدثين من المؤسسات الدولية والهيئات والوزارات العربية والدولية على تفضلهم بالمشاركة في المنتدى، بما يسهم في إثراء النقاش حول مختلف قضايا المالية العامة وسياسات الإصلاح ودعم الاستقرار الاقتصادي.

 

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

 

يواجه الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة العربية تحديات عديدة كانعكاس للتطورات الدولية والإقليمية الراهنة واستمرار تداعيات جائحة كورونا، حيث يمثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مثل الحبوب والطاقة، وتشديد السياسة النقدية برفع أسعار الفائدة للتخفيف من حدة الموجة التضخمية العالمية، والمديونية المرتفعة لدى بعض الدول، وتأثر عدد من الدول الأخرى بآثار التغيرات المناخية مثل موجات الحر والجفاف، صوراً مهمة من هذه التحديات. دفعت هذه الظروف الاستثنائية المؤسسات الدولية والإقليمية إلى إعادة تقييم الأوضاع الاقتصادية، من خلال إعادة النظر في توقعاتها للنمو الاقتصادي. في هذا السياق، يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي في عامي 2023 و2024 ليبلغ نحو 2.9 في المائة و3.1 في المائة، على التوالي، مقارنة بنحو 3.4 في المائة المسجل في عام 2022. فيما يتعلق بالتضخم، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، ارتفع المعدل العالمي إلى 8.8 في المائة في عام 2022، مقارنة بنحو 4.7 في المائة المسجل في عام 2021. في المقابل، من المتوقع أن يشهد التضخم العالمي انخفاضاً إلى مستوى 6.6 في المائة في عام 2023 و4.3 في المائة بحلول عام 2024.

 

يختلف أثر التطورات الدولية باختلاف طبيعة اقتصادات المنطقة العربية، حيث إن الدول المستوردة للنفط، تواجه عدداً من التحديات نتيجة ارتفاع مستويات العجوزات الداخلية والخارجية ومحدودية مستويات قدرتها على تعزيز الإنفاق الداعم للنمو، مقارنة بالدول المصدرة للنفط. في هذا السياق، تُشير إحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022 إلى أن نسبة متوسط الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة تبلغ نحو 108.8 في المائة بنهاية عام 2021.

 

يتفاوت الحيز المالي المتاح بين اقتصادات المنطقة العربية، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية، إلى تعزيز الحيز المالي للدول المصدرة للنفط والغاز، بينما شهد الحيز المالي للدول المستوردة تراجعاً وجعلها تفاضل بين الإنفاق الداعم للنمو وحماية الفئات الهشة في المجتمع وبين مفاقمة تحديات المديونية. في هذا السياق، ينعكس موقف السياسة المالية في الدول العربية على معدلات النمو الاقتصادي فيها خلال الفترة القادمة، من حيث مدى استمرار قدرتها على دعم النمو الاقتصادي.

بناءً على ذلك، يتوقع صندوق النقد العربي أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي في المنطقة العربية نحو 5.4 في المائة في عام 2022، مقابل 3.9 في المائة المسجل في عام 2021، مدفوعاً بالعديد من العوامل، تشمل: تحسن مستويات الطلب العالمي، وارتفاع معدلات نمو قطاعي النفط والغاز، واستمرار الدول العربية في تبني حزم التحفيز لدعم الاقتصاد، التي تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار أمريكي خلال الفترة (2020-2022)، إضافةً إلى تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والاستراتيجيات المستقبلية التي تستهدف تعزيز التنويع الاقتصادي، ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وزيادة مستوى مرونة الاقتصاد وقدرته على مواجهة الصدمات الخارجية، وتعزيز استدامة الدين العام، وإيجاد بيئة ملاءمة لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام. كما يتوقع صندوق النقد العربي أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي للدول العربية إلى نحو 4.0 في المائة في عام 2023 مقارنة بعام 2022، متأثراً بتراجع النشاط الاقتصادي عالمياً.

 

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

 

أصبح الاحتباس الحراري يمثل تهديداً واضحاً وقائماً في ظل عدم كفاءة الإجراءات والتدابير للحد منه، الأمر الذي يؤدي إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي. في هذا السياق، يمكن تبني وتنفيذ العديد من التدابير والإجراءات على صعيد السياسة المالية للحد من التغيرات المناخية، مثل إعادة تشكيل النظام الضريبي والسياسات المالية لتخفيض انبعاثات الكربون، التي لها تداعيات سلبية على الاستدامة المالية، خاصة بالنسبة للدول النامية ذات الموارد المالية المحدودة والمديونية المرتفعة.

 

لعل أحد المقترحات أن يتم منح الأفراد والشركات الحوافز لترشيد استخدام الطاقة والتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة. يمكن للسياسة المالية أن تلعب دوراً مهماً هنا، حيث تُعتبر ضرائب الكربون من الأدوات الأكثر فاعلية إذا تم تنفيذها بطريقة عادلة وصديقة للنمو واستخدامها لتعزيز الاستثمار في الطاقة الخضراء وتمويل أهداف التنمية المستدامة.

 

يبرز الآن أكثر من أي وقت مضى دور الحكومات في دعم الاستثمار في التقنيات النظيفة من خلال اتخاذ التدابير اللازمة، من بينها استغلال شبكات الطاقة لاستيعاب الطاقات المتجددة، وتبني مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، والبحث والتطوير، واعتماد الحوافز لمواجهة التحديات أمام التقنيات الجديدة.

 

من جانب آخر، يُعد التكيف مع التغيرات المناخية وبناء القدرة على الصمود أمامها ضرورة للاقتصادات المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء، حيث من المفيد للدول أن تبدأ التخطيط لمواجهة الظروف المناخية الجديدة، وتطوير سياسات التكيف وتعزيز قدرتها على التنفيذ. على الرغم من جميع الفوائد المحتملة، لا يمكن أن يحل التكيف محل التخفيف، فكلاهما ضروري للمساعدة في الحد من الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية، من خلال تبني السياسات المالية المناسبة.

 

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

 

تمثل مخاطر المالية العامة أحد أهم العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى انحراف الأداء المالي للحكومات عما كان متوقعاً على المدى المتوسط مما يشكل تحدياً للاستدامة المالية على المدى الطويل، حيث تخضع التوقعات المالية في هذه الحالات لدرجة عالية من عدم اليقين، لذلك تبرز أهمية إدارة ومتابعة فاعلة لمخاطر المالية العامة. لعل من التحديات الراهنة ذات الأثر على مخاطر المالية العامة، تحديات الأمن الغذائي، والمخاطر المرتبطة بارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، ومخاطر التغيرات المناخية، إلى جانب ارتفاع مستويات الديون وضغوط الإنفاق المتزايدة، حيث قد تؤثر هذه المخاطر على تدابير السياسة المالية المخططة وتؤثر أيضاً على استقرار الدين.

 

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

 

تمثل تعبئة الإيرادات المحلية اللازمة لمواجهة ضغوط الإنفاق ولتحقيق النمو بطريقة مستدامة، واحدة من الأولويات المهمة لصانعي السياسات المالية في المنطقة العربية، حيث لا تزال تعبئة الموارد تمثل ضرورة حتمية في إطار الإصلاحات التي تتبناها السلطات في منطقتنا العربية، خاصة في الدول منخفضة الدخل، لتلبية احتياجات الإنفاق التنموي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. تُعتبر الإيرادات الضريبية الإضافية العادلة في الدول العربية المستوردة للنفط أمراً بالغ الأهمية لتلبية احتياجات الإنفاق الملحة من أجل دعم الانتعاش الاقتصادي الشامل والمستدام مع إبقاء الديون تحت السيطرة. في المقابل، يتطلب تقليل الاعتماد على النفط في الدول العربية المصدرة للنفط، تطوير القاعدة الضريبية بشكل فعّال.

 

يتطلب تصميم أنظمة ضريبية حديثة وعادلة العديد من الإجراءات والإصلاحات من أجل تعبئة الإيرادات بشكل فعّال. تشمل توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز تحصيل الإيرادات، وتعزيز الامتثال من خلال تحسين الإدارة الضريبية، وإدماج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الوطني، وتعزيز التنويع الاقتصادي من خلال تبني إصلاحات هيكلية.

 

على الرغم من التقدم الحاصل على صعيد الأنظمة الضريبية في المنطقة العربية، إلا أن العائدات الضريبية تُعد أقل من المستويات العالمية، حيث بلغت نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية نحو 10.2 في المائة في عام 2021 مقابل نحو 13.7 في المائة على مستوى العالم. تمكنت بعض الدول العربية من إحراز تقدم ملحوظ في تعبئة الإيرادات المحلية بفضل الجهود المبذولة، بما يعكس التقدم المحرز على صعيد إصلاحات السياسات الضريبية وإدارة الإيرادات التي تبنتها هذه الدول، الأمر الذي مكّنها من تحقيق مكاسب طويلة الأجل من خلال الحفاظ على إصلاحات تعبئة الإيرادات على مدى فترة زمنية طويلة نسبياً.

 

 

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة المشاركين،

 

لا شك أن المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا لتحقيق التعافي واستعادة مسار النمو الشامل والمستدام، مع المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، ونتطلع اليوم للمناقشات وتبادل الآراء، للاستفادة منها في تعزيز إدراكنا للأولويات، ودعم التعافي من أزمة جائحة كورونا، ومواجهة التطورات الدولية الراهنة، وتعزيز دور السياسة المالية في إدارة فرص ومخاطر التغيرات المناخية، وإدارة مخاطر المالية العامة، وتعزيز تعبئة الإيرادات المحلية، بما يساعد على تطوير البرامج والأنشطة في هذا الشأن، وينسجم مع الأولويات والاحتياجات.

 

قبل الختام، لا يفوتني في هذا الصدد أن أجدد الشكر والعرفان لدولة مقر صندوق النقد العربي، دولة الإمارات العربية المتحدة، لما تقدمه من تعاون ودعم لأنشطته.

 

أخيراً، أشكر مجدداً صندوق النقد الدولي ممثلاً بالسيدة كريستالينا جورجيفا وكافة زملاءها ووزارة المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة على المشاركة في تنظيم المنتدى، متطلعاً للمزيد من الارتقاء بالشراكة والتعاون بيننا. كما أشكر أصحاب المعالي وزراء المالية العرب وأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية وبقية المشاركين على حضورهم ومشاركتهم، راجياً مناقشات مثمرة للمنتدى.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،