معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في افتتاح أعمال الاجتماع السنوي السادس عشر عالي المستوى حول النظام المصرفي العالمي ما بعد أزمة جائحة كورونا

أهمية تقييم تداعيات جائحة كورونا على إقتصادات الدول وأسواقها المالية

تراجع التدفقات النقدية للقطاعين المصرفي والمالي جراء تداعيات الجائحة

ضرورة تضافر الجهود المحلية والدولية لمواجهة المخاطر التي تواجه القطاع المالي ما بعد الجائحة

النظام المصرفي العربي أكثر استعداداً لإستيعاب تحمل الصدمات المالية والاقتصادية

الدعوة لمراجعة وتعزيز المنظومة التشريعية وترتيب الأولويات في المرحلة القادمة

ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال الاجتماع السنوي السادس عشر عالي المستوى حول النظام المصرفي العالمي ما بعد أزمة جائحة كورونا المستجد، المنعقد "عن بُعد". شارك في الاجتماع الذي افتتح يوم أمس الأربعاء 8 ديسمبر ويمتد ليومين، عدد من أصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، إلى جانب السيد "فرناندو ريستوي"، رئيس معهد الاستقرار المالي، والسيدة "أليساندرا بيرازيلي"، نائب محافظ بنك إيطاليا، والسيد "نيل إيشو"، نائب السكرتير العام للجنة بازل للرقابة المصرفية.

بيّن معاليه في كلمته، أن أزمة فيروس كورونا المُستجد لا تزال تُلقي بظلالها على المشهد العالمي، وتُشكل تحدي    لصانعي السياسات الاقتصادية في إطار سعيهم المستمر لتعزيز الاستقرار المالي، مشيراً إلى الجهود وحزم التحفيز التي إتخذتها الحكومات والمصارف المركزية التي ساهمت في الحد من آثار الجائحة، منوهاً أن حالة عدم اليقين وتحديد التوقيت الملائم للتخفيف التدريجي لهذه الحزم يشوبه بعض الغموض والتعقيد، محذراً أن هذا الأمر قد  يشكل عبئاً إضافياً على صانعي السياسات الاقتصادية في دعم مرحلة التعافي الاقتصادي، في ظل بدء ارتفاع معدلات التضخم من جهة، وتراكم المخاطر النظامية في النظام المالي نتيجة إنخفاض أسعار الفائدة على السياسة النقدية من جهة أخرى.

في نفس السياق، أكد معاليه أن الجائحة أدت إلى إنعكاسات سلبية للتدفقات النقدية للقطاعين المصرفي والمالي، من خلال إحتمالية تعثر عملاء البنوك والمؤسسات المالية، من قطاعي الشركات والأفراد، مما تتطلب إجراءات فورية من قبل المصارف المركزية، بشكل يحافظ على صحة ومتانة القطاع المالي واستمراريته وفق قواعد العمل المصرفي والمالي السليم، والحفاظ على استدامة الشركات، خاصة منها المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إضافةً لحماية الأفراد من مخاطر تعثرهم وقدرتهم على السداد، حفاظاً على تصنيفهدم الإئتماني، مؤكداً على ضرورة التنبه للمخاطر التي قد تنجم عن رفع حزم الدعم وإن كان تدريجياً، حيث أشار إلى احتمالية ارتفاع معدلات التعثر، الأمر الذي يتطلب بناء المخصصات اللازمة لمواجهة تلك المخاطر، والبدء في البناء التدريجي لهوامش رأس المال والسيولة التي تم تحريرها كلياً أو جزئياً.

أكد معالي الدكتور الحميدي في هذا الاطار، أن المرحلة القادمة تتطلب تضافر للجهود المحلية والدولية على صعيد مواجهة المخاطر التي تواجه القطاع المالي وتحديد الأولويات والتنسيق بين السياسات الإقتصادية، مشدداً على أهمية مراجعة وتعزيز المنظومة التشريعية وترتيب الأولويات في المرحلة القادمة، للتخفيف من المخاطر النظامية والمخاطر الأخرى التي قد يتعرض لها النظام المصرفي، خاصةَ أن المرحلة الحالية تشهد مخاطر متعددة ينبغي التعامل معها للتخفيف من الأثر السلبي على القطاع المالي، مثل مخاطر الكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ، ومخاطر التخلي عن أسعار الفائدة المرجعية، ومخاطر القطاع المالي غير المصرفي، ومخاطر الجرائم الالكترونية الناجمة عن الإعتماد المتزايد على التقنيات المالية الحديثة، إضافةً إلى تبعات أزمة فيروس كورونا المتمثلة في مخاطر الإئتمان والسوق والتشغيل.

مع ذلك نوّه  معاليه أن النظام المصرفي اليوم أصبح أكثر استعداداً لإستيعاب تحمل الصدمات المالية والإقتصادية والمخاطر المرتفعة بسبب تطبيق متطلبات رأس المال والسيولة وفق معيار بازل III، مشيراً في هذا الصدد أن تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 الذي أخذ الجانب التنبؤي بالإعتبار، أدى إلى تخفيف مخاطر الإئتمان من خلال بناء المخصصات المالية لمواجهة مخاطر التعثر.

تطرق معاليه إلى تقرير الاستقرار المالي الصادر عن صندوق النقد العربي لعام 2021، الذي أظهر استمرار المصارف المركزية العربية في مراجعة وتطوير المنظومة التشريعية بغية تعزيز الاستقرار المالي، إضافةً إلى مواصلة تعزيز نظم البنية التحتية للقطاع المالي في الدول العربية. كما بيّن أن مؤشرات المتانة المالية للقطاع المصرفي العربي، عكست مدى صلابة القطاع بفضل إنتهاج أساليب رقابية حديثة، وسياسات إحترازية متحفظة. نوّه معاليه مع ذلك لتأثر القطاع المصرفي في الدول العربية بتداعيات أزمة جائحة كورونا أسوةً ببقة دول العالم، إذ انخفضت نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير العاملة، إلى 85.7 في المائة في نهاية عام 2020، وارتفاع نسبة التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات في القطاع المصرفي إلى 8.4 في المائة. فيما لايزال معدل كفاية رأس المال للقطاع المصرفي العربي الذي بلغ نسبة 17.8 في المائة في نهاية عام 2020،  أعلى من تلك المستهدفة دولياً حسب معيار بازل Ⅲ البالغة 10.5 في المائة، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية تعزز من قدرته على استيعاب أية خسائر محتملة.

أشاد معالي الدكتور الحميدي في كلمته بالحرص الذي تبديه السلطات الإشرافية في الدول العربية على تطوير التشريعات والممارسات الرقابية لتنسجم مع المستجدات والتعديلات في المبادئ والمعايير الرقابية الدولية، مشيراً في هذا الصدد إلى تحقيق الدول العربية تقدم ملحوظ على صعيد تنفيذ متطلبات رأس المال، من خلال إتمام العديد من المصارف المركزية العربية الإطار الرقابي الخاص بالبنوك ذات الأهمية النظامية محلياً، كما أكد معاليه على اهتمام السلطات الإشرافية في الدول العربية بمتابعة تطبيق متطلبات بازل III، وتقوية نظم الإشراف والرقابة على الصيرفة الإسلامية، وتعزيز الإفصاح المالي وتطبيق والالتزام بمعايير وقواعد الحوكمة، وخطط الإنعاش، وتعزيز منظومة إدارة الأزمات، ومعالجة التهديدات الإلكترونية، إلى جانب  تقوية أمن المعلومات المالية والمصرفية.

في سياق متصل، نوّه معاليه إلى أن حجم وشدة هذه الأزمة ساهم في تنبه السلطات الإشرافية إلى أهمية تطوير أنظمة الإنذار المبكر، ومنظومة إدارة الأزمات، وخطط الإنعاش، واختبارات الأوضاع الضاغطة الكلية والجزئية. 

في سياق آخر، أشار معاليه إلى حرص صندوق النقد العربي على مواكبة دوله الأعضاء في مجال الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية الهادفة إلى تعزيز الاستقرار المالي في المنطقة العربية، مشيراً إلى عقد سلسلة كبيرة من الاجتماعات التشاورية العديدة التي نظمها الصندوق للحوار وتبادل المعرفة والخبرات في هذه المرحلة الدقيقة، على كافة المستويات للمصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية والسلطات الاشرافية الآخرى بمشاركة واسعة من المؤسسات والإطر المالية الدولية ذات العلاقة. كما نوّه بإصدار الصندوق لمجموعة من المبادئ الإرشادية للمصارف المركزية تواكب المخاطر التي تفرضها المرحلة، حيث غطت هذه الجوانب العديد من القضايا المتعلقة بتعامل المصارف المركزية مع أزمة فيروس كورونا (سواء خلال الأزمة أو في مرحلة ما بعد الأزمة)، وإدارة الكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ، ومخاطر التخلي عن أسعار الفائدة المرجعية الليبور، وتعزيز فرص الإستفادة من التقنيات المالية الحديثة، وتعزيز الرقابة على المؤسسات المالية غير المصرفية، وتطوير إختبارات الأوضاع الضاغطة الجزئية والكلية، وتعزيز صناعة المعلومات الإئتمانية.

في الختام، ثمّن معالي الدكتور الحميدي جهود دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر الصندوق على الرعاية والدعم الكبير الذي تقدمه باعتبارها دولة مقر صندوق النقد العربي، الذي يساهم بدون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به. كما قدم معالي المدير العام الشكر لمعهد الاستقرار المالي وللجنة بازل، ولأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية وبقية المشاركين على حضورهم ومشاركتهم.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة الحضور،

أسعد الله صباحكم/مساءكم بكل خير،

يسرني أن أرحب بكم، مع بداية اللقاء السنوي السادس عشر عالي المستوى حول "المعايير المصرفية العالمية والأولويات التشريعية والرقابية"، الذي يعقد هذا العام تحت عنوان: النظام المصرفي العالمي في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا، الذي ينظمه صندوق النقد العربي بالمشاركة مع معهد الاستقرار المالي التابع لبنك التسويات الدولية ولجنة بازل للرقابة المصرفية.

اسمحوا لي بدايةً أن أشكر السيد "فرناندو ريستوي"، رئيس معهد الاستقرار المالي وزملائه على مساهمتهم مع زملائي في الاعداد للإجتماع وتطوير محتوياته ليعكس القضايا والتطورات ذات الأولوية لمنطقتنا العربية.

كما أود أن أرحب بالسيد "نيل إيشو"، نائب السكرتير العام للجنة بازل للرقابة المصرفية، والشكر له ولزملائه على مساهمتهم في التحضير لهذا الاجتماع وعلى التعاون القائم مع اللجنة العربية للرقابة المصرفية. نحن على يقين باستمرار التعاون بين اللجنتين وتعميقه. والشكر موصول كذلك للسادة ممثلي المصارف المركزية والمؤسسات المصرفية العربية خاصة الزملاء أعضاء اللجنة العربية للرقابة المصرفية على حرصهم الحضور والمشاركة في هذا الملتقى السنوي الهام.

أتوجه بشكر خاص لأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية العربية ونوابهم، الذين حرصوا على المشاركة اليوم، للحوار حول أولويات السلطات الإشرافية في الدول العربية لتعزيز الاستقرار المالي والتحديات التي تواجهها القطاعات المالية والمصرفية العربية في هذا الشأن.

كذلك أود أن أشكر السيدة "أليساندرا بيرازيلي" نائب محافظ بنك إيطاليا على مشاركتها في تقديم كلمة المتحدث الرئيس. كما لا يفوتني أن أشكر جميع المؤسسات المالية الدولية والمصارف المركزية العالمية والخبراء والمتحدثين على تفضلهم بالمشاركة معنا اليوم.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

إن حضوركم لهذا الإجتماع، يعكس دوره الهام كملتقى سنوي لمتابعة المستجدات في التشريعات الرقابية وقضايا الاستقرار المالي، ويؤكد أهميته لصانعي السياسات في المصارف المركزية والمؤسسات المالية والمصرفية ومدراء المخاطر في المنطقة العربية، وهو ما يشجعنا على مواصلة تطوير موضوعاته وتحديثها لتواكب المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.

لا تزال أزمة جائحة كورونا المُستجد تُلقي بظلالها على المشهد العالمي، وتُشكل تحدي لصانعي السياسات الاقتصادية في إطار سعيهم المستمر لتعزيز الاستقرار المالي. بالرغم من الجهود وحزم التحفيز التي إتخذتها الحكومات والمصارف المركزية، التي ساهمت بلا شك  في الحد من آثار الجائحة على القطاعات الاقتصادية، و ساهمت أيضاً في الحفاظ على سلامة واستقرار القطاع المالي، إلا أن حالة عدم اليقين وتحديد التوقيت الملائم للتخفيف التدريجي لهذه الحزم يشوبه بعض الغموض والتعقيد، مما يشكل بدوره عبئاً إضافياً على صانعي السياسات الاقتصادية في دعم مرحلة التعافي الاقتصادي، خصوصاً أن معدلات التضخم بدأت في الإرتفاع من جهة، ومن جهة أخرى قد تتراكم المخاطر النظامية في النظام المالي نتيجة إستمرار إنخفاض أسعار الفائدة.

في السياق نفسه، أدت الجائحة إلى إنعكاسات سلبية للتدفقات النقدية للقطاعين المصرفي والمالي، من خلال إحتمالية تعثر عملاء البنوك والمؤسسات المالية، من قطاع الشركات على اختلاف أحجامها، والأفراد على حد سواء، مما تتطلب إجراءات فورية من قبل المصارف المركزية، بشكل يحافظ على صحة ومتانة القطاع المالي واستمراريته وفق قواعد العمل المصرفي والمالي السليم، والحفاظ على استدامة الشركات خاصة منها المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إضافةً لحماية الأفراد من مخاطر تعثرهم وقدرتهم على السداد، حفاظاً على تصنيفهم الإئتماني. هنا لا بد من التأكيد على ضرورة التنبه للمخاطر التي قد تنجم عن رفع حزم الدعم حتى وإن كان تدريجياً، حيث من المتوقع أن تزداد معدلات التعثر، وهذا بدوره يتطلب بناء المخصصات اللازمة لمواجهة تلك المخاطر، والبدء في البناء التدريجي لهوامش رأس المال والسيولة التي تم تحريرها كلياً أو جزئياً.   

في هذا الصدد، تتطلب المرحلة القادمة تضافر للجهود المحلية والدولية على صعيد مواجهة المخاطر التي تواجه القطاع المالي وتحديد الأولويات والتنسيق بين السياسات الإقتصادية. كما تبرز أهمية مراجعة وتعزيز المنظومة التشريعية وترتيب الأولويات في المرحلة القادمة، للتخفيف من المخاطر النظامية والمخاطر الأخرى التي قد يتعرض لها النظام المصرفي، خاصةَ أن المرحلة الحالية تشهد مخاطر متعددة ينبغي التعامل معها بما يحد من الأثر السلبي على القطاع المالي، مثال ذلك: مخاطر الكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ، ومخاطر التخلي عن أسعار الفائدة المرجعية (الليبور والآيبورس)، ومخاطر القطاع المالي غير المصرفي، والمخاطر الإلكترونية الناجمة عن الإعتماد المتزايد على التقنيات المالية الحديثة، إضافةً إلى تبعات أزمة جائحة كورونا المتمثلة في مخاطر الإئتمان والسوق والتشغيل.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

يعد النظام المصرفي اليوم أكثر استعداداً لإستيعاب تحمل الصدمات المالية والإقتصادية والمخاطر المرتفعة التي من الممكن أن يتعرض لها، ذلك بسبب تطبيق متطلبات رأس المال والسيولة وفق معيار بازل III، حيث عكس تطبيق هذه المتطلبات، اهتمام السلطات الإشرافية بتعزيز سلامة المراكز المالية للبنوك. مما لاشك فيه أن تبني متطلبات بازل III من شأنه أن يعزز نوعية وكمية رؤوس الأموال لدى البنوك، من خلال احتفاظ البنوك برؤوس أموال بجودة ونوعية عالية تمتاز بقدرة مرتفعة على مواجهة المخاطر واستيعاب الخسائر. في نفس السياق، أدى تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية (IFRS9) الذي أخذ الجانب التنبؤي بالإعتبار، إلى تخفيف مخاطر الإئتمان من خلال بناء المخصصات المالية لمواجهة مخاطر التعثر.

لقد بيّن تقرير الاستقرار المالي الصادر عن صندوق النقد العربي لعام 2021، استمرار  المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في مراجعة وتطوير المنظومة التشريعية بغية تعزيز الاستقرار المالي، إضافةً إلى مواصلة تعزيز نظم البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي في الدول العربية، ذلك في إطار سعيها لتحقيق الاستقرار المالي من خلال تأسيس وتطوير والإشراف على بنية تحتية مالية ومصرفية قوية ومتوافقة مع أحدث الممارسات الدولية، بما تتضمنه من أنظمة مصرفية ورقابية حديثة وبما يحقق التطور وزيادة الموثوقية في الخدمات المقدمة من المؤسسات المالية والمصرفية.

في نفس السياق، عكست مؤشرات المتانة المالية للقطاع المصرفي العربي، مدى صلابة القطاع بفضل إنتهاج المصارف المركزية لأساليب رقابية حديثة، وسياسات إحترازية متحفظة أسهمت في تعزيز الاستقرار المالي، وعززت من متانة ومرونة القطاع المصرفي العربي، وقدرته على إستيعاب الصدمات المالية المحتملة، ذلك بالرغم من المخاطر والتحديات. كما أسهمت سياسات المصارف المركزية بتحسن الكفاءة التشغيلية لدى القطاع المصرفي، من خلال تحقيق ربحية جيدة والإعتماد على أعمال البنك الرئيسة، وذلك في ضوء تحسن نسب المصاريف التشغيلية إلى إجمالي الدخل وصافي هامش الفائدة إلى إجمالي الدخل ونسبتي العائد على الموجودات وحقوق الملكية.

تظهر المؤشرات المالية المتعلقة بالقطاع المصرفي العربي، الذي يبلغ حجم موجوداته حوالي 3.8 ترليون دولار ما نسبته 159 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية، أن القطاع المصرفي العربي وبالرغم من التحديات والمخاطر، كان مستقراً وقادراً بشكل عام على تحمل الصدمات، وذلك في ضوء ما حققه القطاع من مستويات جيدة من رأس المال وجودة الأصول والربحية، وهو ما يعكس جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية.

على صعيد مخاطر الإئتمان، وكما هو الحال في جميع أنحاء العالم، تأثر القطاع المصرفي في الدول العربية بتداعيات أزمة جائحة كورونا المستجد، حيث انخفضت نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير العاملة بشكل طفيف، لتصل إلى 85.7 في المائة في نهاية عام 2020. في المقابل، ارتفعت نسبة التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات في القطاع المصرفي، إلى 8.4 في المائة، آخذين في الإعتبار بدء عدد من الدول العربية بتطبيق المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS9)، الذي يشمل نطاق تطبيقه التسهيلات الائتمانية الجيدة وغير الجيدة. يُذكر أن تطبيق المعيار المذكور سيؤدي إلى تعزيز متانة وملاءة البنوك والتحوط للصدمات المحتملة ويحسّن نوعية موجودات هذا القطاع.

في المقابل، تميّز القطاع المصرفي العربي بملاءة مالية مرتفعة، إذ وصل معدل كفاية رأس المال للقطاع المصرفي العربي إلى ما نسبته 17.8 في المائة في نهاية عام 2020، وهي نسبة أعلى من تلك المستهدفة دولياً البالغة 10.5 في المائة وفق معيار بازل Ⅲ، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية ويعزز من قدرته على استيعاب أية خسائر محتملة.

أما عن أداء هذا القطاع، ونتيجة لتداعيات الجائحة، تراجع معدل العائد على الموجودات ليبلغ 0.81 في المائة في نهاية عام 2020، مقارنة مع 1.23 في المائة عن عام 2019. في المقابل تراجع معدل العائد على حقوق الملكية ليصل إلى 6.55 في المائة في نهاية عام 2020 مقابل 12.2 في المائة لعام 2019. على الرغم من تراجع هاتين النسبتين، إلا أنهما تعكسان أداءً جيد للبنوك وكفاءةً في توظيف موجوداتها، وفاعليتها في استخدام رأسمالها وقدرتها على مواجهة الخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها مستقبلاً.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

يُعد هذا الاجتماع فرصة لمناقشة العديد من القضايا ذات الصلة بالاستقرار المالي وجوانب الرقابة المصرفية، ودور سياسات البنك المركزي في تحقيق التوازن بين تعزيز مرونة القطاع المصرفي من جهة، ودعم قطاعي الأفراد والشركات في هذه المرحلة الدقيقة التي تسببت بها أزمة فيروس كورونا المستجد من جهة أخرى.

لقد حرصت السلطات الإشرافية في الدول العربية على تطوير التشريعات والممارسات الرقابية لتنسجم مع المستجدات والتعديلات في المبادئ والمعايير الرقابية الدولية، حيث تُتابع المصارف المركزية العربية جهودها نحو تطبيق قرارات وتوصيات بازل III، إدراكاً منها لأهمية ذلك في تعزيز كفاءة وسلامة قطاعاتها المصرفية. وعلى الرغم من أن تطبيق هذه المتطلبات يفرض تحديات عديدة على المصارف المركزية والسلطات الرقابية والمصارف نفسها في دولنا العربية، إلا أن الدول العربية حققت تقدماً ملحوظاً على صعيد تنفيذ متطلبات رأس المال، فقد أتمت العديد من المصارف المركزية العربية الإطار الرقابي الخاص بالبنوك ذات الأهمية النظامية محلياً، بالتالي أخضعت بعض المصارف المركزية العربية بنوكها ذات الأهمية النظامية لإجراءات رقابية إضافية فيما يتعلق بالالتزام بمعايير الحوكمة ومستوى المخاطر الممكن تحمله واختبارات الجهد.

إلى جانب متابعة تطبيق بازل III، تحظى مواضيع تقوية نظم الإشراف والرقابة على الصيرفة الإسلامية، وتعزيز الإفصاح المالي وتطبيق والالتزام بمعايير وقواعد الحوكمة، وخطط الإنعاش، وتعزيز منظومة إدارة الأزمات، ومعالجة التهديدات الإلكترونية وتقوية أمن المعلومات المالية والمصرفية، باهتمام كبير من قبل السلطات الإشرافية في الدول العربية في الآونة الراهنة. كذلك تبذل السلطات الإشرافية في دولنا العربية، جهوداً كبيرة لترسيخ مفاهيم الحوكمة ومتابعة تطبيقها، إلا أنه لا يزال هناك حاجة للمزيد من الجهود للارتقاء بقواعد ومعايير الأهلية لمجالس الإدارة وتنوعها، والعمل على الاهتمام ببناء القدرات وتعزيز التوعية في هذا الشأن.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

قد يكون من المناسب في المرحلة الحالية، أهمية النظر في تقييم واقع القطاع المالي قبل وبعد أزمة فيروس كورونا المستجد، ذلك للوقوف على حجم الآثار المترتبة على الأزمة. لعل حجم وشدة الأزمة نبّه السلطات الإشرافية إلى أهمية تطوير أنظمة الإنذار المبكر، ومنظومة إدارة الأزمات، وخطط الإنعاش، واختبارات الأوضاع الضاغطة الكلية والجزئية. إضافةً إلى قيام إدارات الرقابة المصرفية بتقييم أي مواطن ضعف جوهرية ظهرت لدى أي من البنوك التجارية (خصوصاً البنوك ذات الأهمية النظامية على المستوى المحلي D-SIBs) جراء الجائحة، ووضع إجراءات تصحيحية مناسبة وفق إطار زمني واضح من قبل إدارة الرقابة على الجهاز المصرفي و/أو من خلال خطط الإنعاش لدى البنك التجاري، ذلك لمحاولة معالجة مواطن الضعف. في هذا الإطار، من الأهمية وضع إطار حوكمة مناسب لخطة الإنعاش لدى البنك التجاري، يشمل تحديد مسؤوليات الوحدات التنظيمية في البنك ومسؤوليات الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة، وأن تكون خطة الإنعاش معتمدة من قبل مجلس الإدارة وأن يقوم المجلس بالإشراف عليها، إضافةً إلى قيام الإدارة التنفيذية بإعداد الخطة وتطويرها وتحديثها، ومراجعة خطة الإنعاش دورياً أو كلما إقتضت الحاجة لذلك.

في هذا السياق، يُعتبر إنشاء مؤسسة ضمان الودائع كشخصية إعتبارية ذات إستقلال مالي وإداري، ركناً مهماً في منظومة إدارة الأزمات المصرفية، مع الأخذ في الإعتبار وجود منظومة ضمان ودائع تُراعي خصوصية البنوك المتوافقة مع الشريعة. لقد أثبتت التجارب الدولية، أن وجود منظومة ضمان الودائع تُسهم في خفض الكلف التي يتكبدها الاقتصاد نتيجة الأزمات المصرفية، مع التأكيد على الدور الهام للجنة إدارة الأزمات المصرفية أو الإستقرار المالي داخل المصرف المركزي، التي من المناسب أن يكون لديها إطار حوكمة فعال ضمن الهيكل التنظيمي للمصرف المركزي، بما يضمن سرعة تنفيذ تقنيات الحل دون تأخير. كما يُستحسن أن تضم اللجنة ممثلين عن وزارة المالية، ومؤسسة ضمان الودائع، وهيئة الأوراق المالية وأي أطراف رسمية أخرى ذات علاقة، الأمر الذي من شأنه تعزيز التنسيق قبل وقوع الأزمات.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

حرص صندوق النقد العربي، على مواكبة دوله الأعضاء في مجال الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية الهادفة إلى تعزيز الاستقرار المالي في المنطقة العربية، حيث تم عقد سلسلة من الاجتماعات التشاورية العديدة التي نظمها الصندوق على مستوى محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية ونواب المحافظين وأعضاء اللجنة العربية للرقابة المصرفية واللجنة العربية للمعلومات الإئتمانية وفريق عمل الاستقرار المالي وفريق العمل الإقليمي لتعزيز الشمول المالي ومجموعة عمل التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية، وبحضور واسع من المؤسسات المالية الدولية. كما أصدر الصندوق مجموعة من المبادئ الإرشادية للمصارف المركزية تواكب المخاطر التي تفرضها المرحلة، حيث غطت هذه الجوانب العديد من القضايا المتعلقة بتعامل المصارف المركزية مع أزمة فيروس كورونا (سواء خلال الأزمة أو في مرحلة ما بعد الأزمة)، وإدارة الكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ، ومخاطر التخلي عن أسعار الفائدة المرجعية الليبور، وتعزيز فرص الإستفادة من التقنيات المالية الحديثة، وتعزيز الرقابة على المؤسسات المالية غير المصرفية، وتطوير إختبارات الأوضاع الضاغطة الجزئية والكلية، وتعزيز صناعة المعلومات الإئتمانية.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

نحن ممتنون للجهود الكبيرة التي تقوم بها الأطر الدولية المعنية وفي مقدمتها لجنة بازل للرقابة المصرفية ومجلس الاستقرار المالي في متابعة تطوير القواعد والتشريعات الرقابية بصورة أكثر احترازية وشمولية للمخاطر، لمعالجة مختلف جوانب الضعف التي أظهرتها الأزمات السابقة وأزمة جائحة كورونا الحالية. ولا شك أن نجاح هذه التشريعات في تحقيق الغاية منها يتطلب تحقيق التوازن بين شمولية التشريعات وتعقيداتها من جانب، وتوفير التبسيط اللازم في التطبيق لضمان نجاح التنفيذ وتحقيق التأثير المطلوب في تقوية إدارة المخاطر لدى المؤسسات المصرفية من جانب آخر، مع التأكيد في الوقت نفسه على أهمية دعم المنظومة الرقابية لأعمال المؤسسات المصرفية في توفير التمويل اللازم للأنشطة الاقتصادية. لعلها مناسبة طيبة أن يتطرق اجتماعنا اليوم لأولويات لجنة بازل لمرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

لا شك أن حضور هذا الحشد الكبير من الخبرات الرفيعة المتخصصة، سواء من المؤسسات المالية الدولية أو من سلطات الإشراف والرقابة المصرفية المختلفة، إلى جانب العديد من المسؤولين وأصحاب القرار في البنوك والمؤسسات المالية معاً، سيسهم في الوصول لرؤية شاملة بخصوص سبل تطوير وسائل الرقابة والإشراف من أجل تحقيق استقرار مالي ومصرفي يسهم بكفاءة وفعالية في تحقيق التنمية الاقتصادية.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة الحضور،

أخيراً وفي ختام كلمتي، أجدد الشكر والعرفان لدولة الإمارات العربية المتحدة، على ما تقدمه من تسهيلات كبيرة ساهمت في نجاح الصندوق نحو تحقيق الأهداف المنوطة به.

أشكر مجدداً معهد الاستقرار المالي ولجنة بازل، على التعاون في إقامة هذه اللقاءات المفيدة، وأشكر مشاركة أصحاب المعالي المحافظين ولكم جمعياً على حضوركم الاجتماع وان كان عن بعد، متمنياً النجاح للاجتماع ومتطلعاً للترحيب بكم في مناسبات قادمة في أبوظبي إن شاء الله. كما أرجو أن يحفظ الله العلي القدير دولنا العربية وجميع دول العالم من الجائحات والأزمات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.