معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية للاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية

5.0 و 4.0 في المائة معدل النمو المتوقع للاقتصادات العربية لعامي 2022 و 2023 على التوالي
396 مليار دولار حجم حزم الدعم التي قدمتها السلطات العربية لدعم التعافي
2 مليار دولار قيمة الموارد المالية التي وفرها صندوق النقد العربي لدوله الأعضاء خلال عامي 2020 و 2021
أهمية توجه الحكومات العربية نحو الإسراع بجهود التحول الرقمي
11.5 في المائة معدل البطالة في المنطقة العربية، و120 في المائة قيمة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة
221 مليار دولار خسائر الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية خلال عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا
التطورات العالمية الراهنة تزيد من حدة التحديات على الاقتصاد العالمي، وتوقعات بانخفاض وتيرة النمو في عام 2022، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم بنحو ثلاث نقاط مئوية
13.8 تريليون دولار الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة كورونا حتى 2024

 

قدم معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي كلمةً في جلسة الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية المنعقدة بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية، بحضور معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية في سلطنة عُمان، رئيس الجلسة المشتركة، ومعالي الأستاذ محمد بن عبد الله الجدعان وزير المالية في المملكة العربية السعودية، وبمشاركة رؤساء المؤسسات المالية العربية، وأصحاب المعالي والسعادة وزراء المالية والاقتصاد ومحافظي المصارف المركزية في الدول العربية.

أعرب في بداية كلمته عن خالص التقدير والإمتنان للمملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً على إحتضان هذه الاجتماعات المهمة، وتوفير كل مستلزمات نجاحها.

بيّن معاليه أن جائحة كورونا، أبرزت أهمية تمتع الاقتصادات العالمية بالمرونة الكافية لمواجهة الصدمات الاقتصادية، وضرورة تبني صناع القرار لمزيج غير تقليدي واستباقي من السياسات الاقتصادية تستهدف توسيع حيز السياسات المتاح أمام الحكومات لمواجهة ظروف عدم اليقين والمخاطر التي تفرضها الأزمات المختلفة لحماية النمو الاقتصادي والتشغيل، مشيراً أن مسارات التعافي الاقتصادي لا تزال تواجه العديد من المخاطر، أبرزها استمرار انتشار متحورات فيروس كورونا، مما قد يؤدي إلى إنخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي المتوقع لعام 2022، كذلك ارتفاع مستوى الخسائر الاقتصادية العالمية الناتجة عن الجائحة لتبلغ نحو 13.8 تريليون دولار حتى نهاية عام 2024، وذلك وفق تقديرات المؤسسات الدولية. كما أشار معاليه أن التطورات العالمية الراهنة، زادت من حدة التحديات السابقة، حيث قد تؤدي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي بما يتراوح بين 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2022، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم بنحو ثلاث نقاط مئوية مقارنة بتقديرات معدل التضخم المتوقع قبل هذه التطورات.

أكد معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي أن الاقتصادات العربية تواجه تحدياتٍ متعددة، في ظل الانعكاسات الاقتصادية التي أسفرت عنها جائحة كورونا، مشيراً في هذا الصدد إلى انكماش الاقتصادات العربية بنسبة 5.5 في المائة في عام 2020، وتحقيقها لمعدل نمو يقدر بنحو 2.9 في المائة لعام 2021، مبيناً أن خسائر الناتج المحلي الإجمالي على مستوى المنطقة العربية الناشئة عن جائحة كورونا تقدر بنحو 221 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021. بيّن معاليه، أنه وفق تقديرات صندوق النقد العربي، ستحقق الاقتصادات العربية كمجموعة نمواً في عام 2022 بنحو 5.0 في المائة، مدفوعاً بالعديد من العوامل مثل التحسن النسبي في مستويات الطلب العالمي، وارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية لاسيما الأسعار العالمية للنفط والغاز، وارتفاع كميات الإنتاج النفطي في إطار اتفاق "أوبك+"، ومواصلة الحكومات العربية لتبني حزم للتحفيز لدعم التعافي الاقتصادي التي وصلت إلى 396 مليار دولار. فيما يتوقع تراجع وتيرة النمو للإقتصادات العربية في عام 2023 لتسجل نحو 4.0 في المائة، بما يتواكب مع تراجع زخم النمو الاقتصادي العالمي.

أكد معاليه أن الدول العربية تواجه في هذه المرحلة تحديات اقتصادية تستلزم من المؤسسات والهيئات المالية العربية بذل الكثير من الجهود والتحرك نحو تبني آليات جديدة أكثر قدرة على تقديم الدعم للحكومات العربية لتحقيق النمو الاقتصادي وبلوغ مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، مشيراً في هذا الصدد إلى التحديات المتعلقة في ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة العربية المقدرة بنحو 11.5 في المائة والتي تمثل تقريباً ضعف المعدل العالمي وفق بيانات البنك الدولي، وتحدي تزايد معدلات المديونية في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته مستويات الدين العام في أعقاب جائحة كورونا التي وصلت إلى نحو 752 مليار دولار بما يمثل نحو 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة. في نفس السياق، أكد معاليه على الحاجة الملحة إلى تعزيز قدرة الاقتصادات العربية على زيادة مستويات المرونة الاقتصادية لمواجهة أي صدمات اقتصادية محتملة، مشيراً في هذا الصدد إلى أهمية مواصلة الدول العربية للإصلاحات الهيكلية.

في نفس السياق، أكد معالي الدكتور الحميدي على أهمية توجه الحكومات العربية نحو الإسراع بجهود التحول الرقمي والتحول نحو اقتصاد المعرفة، مبيّناً في هذا الصدد أن الدول التي تمكنت من التعافي السريع من تداعيات الأزمة، ومن التعامل مع تداعياتها بفعالية وكفاءة، تمثلت في الدول العربية ذات المستويات الأعلى من الجاهزية الرقمية. أشار معاليه كذلك أن مساهمة نصيب قطاعات اقتصاد المعرفة في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية تعد ضعيفة نسبياً وتتراوح ما بين 4 إلى 12 في المائة مقارنة بالمستوى المثيل المسجل في العديد من الدول السباقة في هذا المجال ومن بينها الصين حيث تقدر هذه النسبة بنحو 36 في المائة، الأمر الذي يؤكد على الحاجة لمتابعة الجهود في الدول العربية لتطوير السياسات وتعزيز الاصلاحات التي تخدم التحول الرقمي.

في سياق آخر، أكد معاليه على ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير القطاع المالي في الدول العربية لدعم فرص الوصول للخدمات المالية، وتطوير أسواق المال المحلية، وتعزيز الاندماج المالي الإقليمي، الأمر الذي سيساهم في إطلاق طاقات كامنة كبيرة وخلق فرص عمل متزايدة، بما ينعكس إيجاباً على مساعي مواجهة البطالة ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والشاملة.

في الإطار ذاته، أكد معاليه على أن مواجهة هذه التحديات تستلزم تكثيف جهود المؤسسات المالية العربية خلال الفترة المقبلة بهدف توفير الدعم المالي والفني الكافي للدول العربية، وبناء القدرات للمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والقطاعية، وتوفير الموارد المالية الكفيلة بحفز النمو وخفض البطالة، والوفاء بأهداف التنمية المستدامة وفق أطر تشاركية تستهدف تعزيز تكامل جهود المؤسسات العربية المشتركة، وتعظيم العائد المتوخى من تدخلات كل مؤسسة على حده، والاستفادة من الفرص التي يتيحها التعاون مع المؤسسات الدولية الشريكة.

من جانب آخر، أوضح معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، أن الصندوق وفر موارد مالية لعدد من دوله الأعضاء في شكل قروض جديدة، أو سحب على القروض القائمة، لمواجهة التداعيات الاقتصادية والمالية الناتجة عن جائحة كورونا ودعم جهود الإصلاح في دوله الأعضاء، بلغت حوالي 452 مليون دينار عربي حسابي (د.ع.ح.)، ما يعادل حوالي 2 مليار دولار أمريكي، ذلك منذ بداية عام 2020 وحتى نهاية عام 2021.

كما بيّن معاليه مواصلة الصندوق جهوده في تقديم المشورة والمعونة الفنية لدوله الأعضاء، كالدورات التدريبيّة وورش العمل التطبيقية "عن بُعْد" التي شهدت تنوعاً في الموضوعات لتحاكي المستجدات الحاصلة في الاقتصادات العربية، إضافة إلى إجراء الدراسات وإصدار التقارير التي تناولت مختلف القضايا الاقتصادية ذات الأولوية، بما في ذلك إصدار كتيبات تعريفية موجهة للفئة العمرية الشابة من الوطن العربي، إضافة إلى دوره في تعزيز مبادرة الإحصاءات العربية "عربستات".

أكد معالي الحميدي أن الصندوق عزز دوره في تقديم المشورة الفنية لجهة مواجهة التحديات التي فرضتها الجائحة على الخدمات المالية والمصرفية وإستراتيجية الخروج من الأزمة التي رافقت جائحة كورونا، مشيراً في هذا الصدد إلى إصدار عددٍ من المبادئ الإرشادية لتعزيز قدرات السلطات الإشرافية لتبني السياسات الفعّالة لمواجهة تداعيات الجائحة وتعزيز الاستقرار المالي.

كما أكد معاليه على قيام الصندوق بتعزيز دوره كمركز للمعرفة ومنصة للحوار في مواضيع الشمول المالي، والتقنيات المالية الحديثة، منوهاً بإطلاق مؤشر "التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية"(FinxAr)   كوسيلة لمساعدة صانعي السياسات في تحديد متطلبات التطوير في مجال التقنيات المالية الحديثة. كما أشار معاليه إلى حرص الصندوق على توسيع أنشطته لدعم تطوير القطاع المالي غير المصرفي من خلال أنشطة عدة تتعلق بقطاع التأمين، وصناديق التقاعد والمعاشات، وبرامج ضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها، إلى جانب قيام الصندوق بتنفيذ عدد من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز التمويل المسؤول والمستدام، ودعم الحوار حول تغيرات المناخ والتمويل الأخضر.

من جانب آخر، أشار معاليه أن الصندوق استكمل إنشاء المؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربيّة وبناء وتشغيل منصّتها التقنية "منصة بُنى"، التي باتت تضم عدداً من العملات العربية والدولية وارتبط بها عدد من البنوك، والعمل جارِ على إطلاق خدمات الدفع الفوري، التي تميّز خدمات المنصة.

في سياق آخر، أشار معاليه أن الصندوق واصل خلال عام 2021 دعمه للدول الأعضاء من خلال برنامج تمويل التجارة العربية، مبيّناً أنه خلال عام 2021، بلغت قيمة السحوبات من خطوط الائتمان (1,012) مليون دولار أمريكي بموجب طلبات تمويل تجارية مؤهلة، وبلغ رصيد التزامات الوكالات الوطنية (769) مليون دولار أمريكي في نهاية عام 2021.

في الختام، ثمّن معالي الدكتور الحميدي جهود دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر كل من الصندوق وبرنامج تمويل التجارة العربية والمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية، على توفيرها لكافة التسهيلات التي تساعد على تحقيق كل من الصندوق والبرنامج والمؤسسة للأهداف المرجوة منهما. كما جدد شكره للمملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً على استضافة الاجتماعات.

 

معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية في سلطنة عُمان، رئيس الجلسة المشتركة،

معالي الأستاذ محمد بن عبد الله الجدعان وزير المالية في المملكة العربية السعودية

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يسعدني في مستهل كلمتي بمناسبة إنعقاد الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية، أن أعرب عن خالص التقدير والامتنان لبلدنا العزيز المملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً على احتضان هذه الاجتماعات المهمة، وعلى حسن الاستقبال وكرم الضيافة وتقديم كافّة التسهيلات لنجاحها، راجياً لهذا البلد الكريم المضياف كل التقدم والازدهار.

لقد شرفنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية - حفظه الله، برعايته الكريمة لاجتماعاتنا المشتركة هذا العام، مقدرين لجلالته ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز  ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، ولحكومة المملكة العربية السعودية ولشعبها الكريم الاهتمام والحرص على دعم العمل العربي المشترك.

كما أتوجه بالشكر والإمتنان لمعالي الأستاذ محمد بن عبد الله الجدعان وزير المالية بالمملكة العربية السعودية، وزملائه على حسن الإعداد والتنظيم الجيد لهذه الاجتماعات وعلى تهيئة كافة الظروف المناسبة لنجاحها.

كما أود كذلك أن أشكر زملائي رؤساء المؤسسات المالية العربية المجتمعة اليوم، وأثمن مجهوداتهم على صعيد تقديم كافة أشكال الدعم ومساندة جهود الحكومات العربية لتحقيق طموحات شعوبها.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

تُمثل الاجتماعات السنوية المشتركة للمؤسسات المالية العربية، مناسبة طيبة وفرصة مهمة للتشاور بين مجالس محافظيها ورؤساء المؤسسات المالية العربية، والاستماع إلى آراء ومقترحات أصحاب المعالي المحافظين، حول كيفية تطوير أداء العمل الاقتصادي والمالي العربي المشترك، على ضوء المستجدات التي تشهدها المنطقة العربية وما تواجهه من تحديات.

ولا يخفى عليكم أن التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية تستدعي استمرار العمل على الارتقاء بالتعاون الاقتصادي العربي إلى المستوى الذي يتناسب مع التطلعات ومع طبيعة المرحلة التي تمر بها اقتصادات دولنا العربية.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

 لا يخفى عليكم الظرف الدقيق الذي يمر به الاقتصاد العالمي نتيجة استمرار ظروف عدم اليقين والمخاطر المرتبطة بانتشار جائحة كورونا، التي لا زالت تُلقي بظلالها على توقعات النمو الاقتصادي العالمي والإقليمي وتؤثر على وتيرة التعافي الاقتصادي في عدد كبير من بلدان العالم، وتفرض على صناع السياسات الاقتصادية تحديات استثنائية للتغلب على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة التي مثلت اختباراً لمدى قدرة حكومات دول العالم على الصمود أمام تحديات لم تكن معهودة في السابق.

فهذه الجائحة غير المسبوقة أبرزت أهمية تمتع الاقتصادات العالمية بالمرونة الكافية لمواجهة الصدمات الاقتصادية أياً كان مصدرها، وضرورة تبني صناع القرار لمزيج غير تقليدي واستباقي من السياسات الاقتصادية التي تستهدف في المقام الأول توسيع حيز السياسات المتاح أمام الحكومات لمواجهة ظروف عدم اليقين والمخاطر التي تفرضها الأزمات المختلفة لحماية النمو الاقتصادي والتشغيل.

فبعد مرور عامين من انتشار الجائحة، لا تزال مسارات التعافي الاقتصادي تواجه بالعديد من المخاطر التي يأتي على رأسها استمرار انتشار متحورات فيروس كورونا، والتي دفعت صندوق النقد الدولي إلى تخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2022 بنحو نصف نقطة ليصل إلى 4.4 في المائة كما هي في مارس 2022، في ظل الأثر المتوقع لهذه المتحورات على مستويات الطلب الكلي، وإحتمالات عودة دول العالم مرة أخرى إلى فرض إغلاقات جزئية أو كلية تمارس أثراً سلبياً على الأنشطة الاقتصادية.

ومما يزيد من خطورة الأمر التباين الملحوظ في مسارات تلقيح سكان العالم ضد الفيروس. ففي الوقت الذي تم فيه التلقيح الكامل لنحو 70 في المائة من سكان الدول مرتفعة الدخل، لا تزال نسبة السكان الملقحين بالكامل في الدول منخفضة الدخل لا تتعدى 4 في المائة، وهو ما ينذر بطول المدى الزمني الذي قد يحتاجه العالم للتغلب على هذه الجائحة، ومن ثم ارتفاع مستوى الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الجائحة لتصل وفق تقديرات صندوق النقد الدولي إلى قرابة 13.8 تريليون دولار حتى نهاية عام 2024.

كما زاد من حدة التحديات السابقة التطورات العالمية الراهنة، التي أدت إلى ارتفاعات في الأسعار العالمية لاسيما فيما يتعلق بأسعار الغذاء والمواد الخام، والطاقة، والمزيد من الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية التي لم تكن قد تعافت بعد من تداعيات جائحة كورونا. كما تمارس تلك التطورات تأثيرات واسعة النطاق على كافة الحكومات والأسواق والأسر على مستوى العالم وتزيد من مستويات المخاطر وحالة عدم اليقين.

من المبكر التنبؤ بالتداعيات الاقتصادية المتوقعة لهذه التطورات، إلا أن التقديرات المبكرة للمؤسسات الدولية تشير إلى أنها قد تؤدي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي بما يتراوح بين 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2022، فيما ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم بنحو ثلاث نقاط مئوية مقارنة بتقديرات معدل التضخم المتوقع قبل هذه التطورات.

علاوة على ما سبق، يُشار إلى أن وجود عدد من المخاطر الأخرى التي تواجه الاقتصاد العالمي مثل استمرار الضغط على سلاسل الإمداد الدولية، والموجة التضخمية العالمية، وارتفاع حجم المديونية العالمية، والتداعيات المتوقعة على الاقتصادات الناشئة، والتداعيات المحتملة ذات الصلة بالمناخ، الأمر الذي يزيد من حالة عدم اليقين في المشهد الاقتصادي العالمي، ويضاعف من التحديات التي تواجه صناع القرار حول العالم.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

في خضم هذه التطورات الاقتصادية، تواجه الاقتصادات العربية تحدياتٍ متعددة، في ظل الانعكاسات الاقتصادية التي أسفرت عنها الجائحة والتي أدت إلى انكماش الاقتصادات العربية بنسبة 5.5 في المائة في عام 2020. وعلى الرغم من مكاسب النمو التي حققتها الاقتصادات العربية كمجموعة في عام 2021 في ظل نموها بنسبة تقارب 2.9 في المائة، إلا أن مستويات الناتج المحلي الإجمالي بها لم تصل بعد للمستويات المسجلة قبل انتشار الجائحة، حيث تقدر خسائر الناتج المحلي الإجمالي على مستوى المنطقة العربية بما لا يقل عن 221 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021 مقارنة بالمستويات المسجلة قبل انتشار الجائحة.

على مستوى الدول العربية فرادى، تمكنت أربع دول عربية من تجاوز التداعيات الناتجة عن الجائحة في عام 2021، فيما يتوقع تعافى ثماني دول عربية أخرى من تداعيات جائحة كورونا بشكل كامل في عام 2022، وامتداد أجل التعافي في باقي الدول العربية إلى ما بعد عام 2022.

ومن المتوقع وفق تقديرات صندوق النقد العربي أن يشهد معدل نمو الاقتصادات العربية كمجموعة ارتفاعاً في عام 2022 ليسجل نحو 5.0 في المائة  مدفوعاً بالعديد من العوامل يأتي على رأسها التحسن النسبي في مستويات الطلب العالمي، وارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية لاسيما الأسعار العالمية للنفط والغاز، وارتفاع كميات الإنتاج النفطي في إطار اتفاق "أوبك+"، ومواصلة الحكومات العربية لتبني حزم للتحفيز لدعم التعافي الاقتصادي بلغت قيمتها 396 مليار دولار خلال الفترة (2020-2022)، علاوة على الأثر الإيجابي لتنفيذ العديد من برامج الإصلاح الاقتصادي والرؤى والاستراتيجيات المستقبلية التي تستهدف تعزيز مستويات التنويع الاقتصادي، وإصلاح بيئات الأعمال، وتشجيع دور القطاع الخاص، ودعم رأس المال البشري، وزيادة مستويات المرونة الاقتصادية في مواجهة الصدمات.

فيما يتوقع تراجع وتيرة النمو قليلاً للإقتصادات العربية في عام 2023 لتسجل نحو 4.0 في المائة بما يتواكب مع تراجع زخم النمو الاقتصادي العالمي، والتراجع المتوقع في أسعار السلع الأساسية، وأثر الانسحاب التدريجي من السياسات المالية والنقدية الداعمة لجانب الطلب الكلي.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

مما لا شك فيه أن الدول العربية تواجه في هذه المرحلة تحديات اقتصادية تستلزم من المؤسسات والهيئات المالية العربية بذل الكثير من الجهود والتحرك نحو تبني آليات جديدة أكثر قدرة على تقديم الدعم للحكومات العربية لتحقيق النمو الاقتصادي وبلوغ مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.

ولعل أبرز هذه التحديات يتمثل في ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة العربية لتسجل نحو 11.5 في المائة بما يمثل تقريباً ضعف المعدل العالمي وفق بيانات البنك الدولي، ويتمثل التحدي الأكبر في هذا السياق في تركز معدلات البطالة لدى الدول العربية في فئة الشباب، حيث ترتفع بطالة الشباب في المنطقة العربية لتسجل 26.5 في المائة مقابل 15.3 في المائة للمتوسط العالمي لبطالة الشباب.

إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب المتعلم والإناث، فمن خصائص البطالة في أسواق العمل العربية أيضاً ارتفاع حصة الشباب غير الملتحقين بالعمل أو التعليم أو التدريب  التي تسجل نحو 27.3 في المائة في الدول العربية.

من جانب آخر، فإن تحدي تزايد معدلات المديونية على وجه الخصوص يعتبر من بين أبرز التحديات التي تواجه اقتصاداتنا العربية في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته مستويات الدين العام في أعقاب جائحة كورونا لتصل إلى نحو 752 مليار دولار بما يمثل نحو 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة. كما يبرز أهمية احتواء مسارات الدين العام وتعزيز تحركه في مستويات قابلة للاستدامة، خاصة في أعقاب الضغوطات التي فرضها انتشار جائحة كورونا على أوضاع المالية في الدول العربية. يستلزم الأمر سعي حثيث من قبل صانعي السياسات في الدول العربية على الموائمة الدقيقة ما بين اعتبارات استمرار دعم التعافي الاقتصادي، واعتبارات استعادة التوازنات المالية والتحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام.

علاوة على ما سبق، تظهر الحاجة الملحة إلى تعزيز قدرة الاقتصادات العربية على زيادة مستويات المرونة الاقتصادية لمواجهة أي صدمات اقتصادية محتملة. ولعل مواصلة الدول العربية للإصلاحات الهيكلية والمؤسسية ضرورة ملحة تمليها المستجدات الاقتصادية الراهنة بشكل أكثر من  أي وقت مضى. فالهياكل الاقتصادية للدول العربية بحاجة لأن تشهد إصلاحات هيكلية جذرية تعيد الاعتبار لقطاعات اقتصادية رئيسة مثل قطاعي الزراعة والصناعة، وتزيد من قدرة هذين القطاعين على دعم الناتج والتشغيل، وزيادة مستويات الإنتاج من السلع الزراعية والصناعية للتقليل من مخاطر تعرض الدول العربية لأية صدمات غير مواتية.

كما تلعب الإصلاحات المؤسسية كذلك دوراً مهماً في المرحلة الراهنة بهدف تطوير بيئات الأعمال العربية لتمكين القطاع الخاص ليكون قاطرةً أساسيةً للنمو والتشغيل، فلا تزال بيئات الأعمال في عدد من الدول العربية تواجه تحديات كبيرة ترفع من مستوى الأعباء الملقاة على كاهل مؤسسات الأعمال فيما يتعلق بممارسة الأعمال. فحسب بيانات البنك الدولي يستلزم الامتثال لإجراءات التصدير في الدول العربية  نحو 72 ساعة في المتوسط (ثلاثة أيام) مقابل 2.3 ساعة فقط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

يفرض هذا الأمر على الجهات المعنية في الدول العربية سرعة التوجه نحو إصلاح الأطر التشريعية والتنظيمية لتخفيض الوقت والكلفة اللازمة لممارسة الأعمال وزيادة مستويات جاذبية وشفافية بيئات الأعمال العربية للمستثمر المحلي والأجنبي.

من جانب آخر، تبدو أهمية توجه الحكومات العربية نحو الإسراع بجهود التحول الرقمي والتحول نحو اقتصاد المعرفة، حيث تشير الدروس المستفادة من الجائحة إلى أن الدول التي تمكنت من التعافي السريع من تداعيات الأزمة، ومن التعامل مع تداعياتها بفعالية وكفاءة تمثلت في الدول العربية ذات المستويات الأعلى من الجاهزية الرقمية. ولعل نظرة إلى مساهمة نصيب قطاعات اقتصاد المعرفة في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية والتي تتراوح ما بين 4 إلى 12 في المائة مقارنة بالمستوى المثيل المسجل في العديد من الدول السباقة في هذا المجال ومن بينها الصين على سبيل المثال حيث تقدر هذه النسبة بنحو 36 في المائة، توضح الحاجة لمتابعة الجهود في دولنا العربية لتطوير السياسات وتعزيز الاصلاحات التي تخدم التحول الرقمي.

ولا يقل أهمية عما سبق ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير القطاع المالي في الدول العربية لدعم فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية، وتطوير أسواق المال المحلية، وتعزيز الاندماج المالي الإقليمي. ذلك أن تعزيز فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية لمختلف القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية وفئات المجتمع لاسيما الشباب والإناث، والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وتسريع إتاحة التمويل للمشروعات الناشئة، سيساهم في إطلاق طاقات كامنة كبيرة وخلق فرص عمل متزايدة، بما ينعكس إيجاباً على مساعي مواجهة البطالة ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والشاملة.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

مما لاشك فيه أن قدرة الحكومات العربية على مواجهة هذه التحديات تستلزم تكثيف جهود المؤسسات المالية العربية خلال الفترة المقبلة بهدف توفير الدعم المالي والفني الكافي للدول العربية، وبناء القدرات للمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والقطاعية، وتوفير الموارد المالية الكفيلة بحفز النمو وخفض البطالة، والوفاء بأهداف التنمية المستدامة وفق أطر تشاركية تستهدف تعزيز تكامل جهود المؤسسات العربية المشتركة، وتعظيم العائد المتوخى من تدخلات كل مؤسسة على حده، والاستفادة من الفرص التي يتيحها التعاون مع المؤسسات الدولية الشريكة.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

يشرف الصندوق على منتصف الفترة من خطته الإستراتيجية الخمسية (2020-2025) والتي تأتي في رحاب رؤيته بعيدة المدى 2040 في أن يكون "الشريك الأقرب للدول العربيّة في تفاعلها مع التطورات لتعزيز مسيرة الاستقرار والتطوير الاقتصادي والمالي والنقدي". 

حقق الصندوق خلال الفترة المذكورة نسبة جيدة من الأداء التراكمي مما كان مستهدف في إطار الإستراتيجية الحالية قُدرت بنحو 33 في المائة. ولعل أهم ما أنجزه الصندوق هو فاعلية وسرعة استجابته للاحتياجات الطارئة التي فرضتها الأزمة الاقتصادية العالمية المرافقة لجائحة كورونا، لاسيما في ظل مشهد عالمي إتّسم بحالة من عدم اليقين بآفاق التعافي في الأمدين القريب والمتوسط، ما فرض على الصندوق استحقاقات مواءمة خطته لمساندة الدول العربية في جهودها نحو مواجهة هذه التحديات، وتحقيق تقدمٍ ملموسٍ على صعيد التعافي الاقتصادي من تداعيات الجائحة، وكذلك مواصلة برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي. تجدر الإشارة إلى الدعم الذي يقدمه الصندوق لتوجهات الدول العربية المتعلقة بالإصلاحات الهيكلية وتبني السياسات الرامية لرفع الإنتاجية، والبناء على المكتسبات الناتجة عن هذه الإصلاحات، من خلال تشجيع الابتكارات، ونشر التقنيات الحديثة. إضافة إلى دعم الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز منعة الاقتصادات العربية في مواجهة التحديات الناجمة عن الأزمات بأشكالها المختلفة، بإطار النهج الاستباقي والرؤية المستقبلية التي تتسم بها منهجيات عمله على كافة الأصعدة وتوسيع نطاق المبادرات التي تصبّ في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة وتعزيزها بأنشطة مستجدة.

وَظّف الصندوق منذ انطلاق إستراتيجيته الحالية (2020-2025) مرونة عالية في جميع عملياته وأنشطته لدعم جهود الدول العربية في خططها لإدارة الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الجائحة الذي استند إلى ترتيب الأولويات، وتفعيل آليات استمرارية الأعمال لاسيما من خلال كفاءة العمل عن بُعْد، وتواصله المستمر وتوسيع نطاق اللقاءات التشاورية وتبادل التجارب والخبرات مع الدول العربية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الشركاء من المنظمات الإقليمية والدولية.

فقد تمكّن الصندوق من تلبية جميع طلبات القروض الجديدة وطلبات السحب لقروض قائمة، بإجراءات سريعة، وتخصيص الموارد اللازمة لتلبية هذه الطلبات. كما واصل الصندوق جهوده في تقديم المشورة والمعونة الفنية لدوله الأعضاء، كالدورات التدريبيّة وورش العمل التطبيقية عن بُعْد التي شهدت تنوعاً في الموضوعات لتحاكي المستجدات الحاصلة في الاقتصادات العربية، إضافة إلى إجراء الدراسات وإصدار التقارير التي تناولت مختلف القضايا الاقتصادية ذات الأولوية بالنسبة للدول العربية، بما في ذلك إصدار كتيبات تعريفية موجهة للفئة العمرية الشابة من الوطن العربي، إضافة إلى دوره في تعزيز مبادرة الإحصاءات العربية "عربستات". أما على مستوى النشاط الاستثماري، فقد حافظ الصندوق على أدائه الجيد رغم التقلبات التي شهدتها الأسواق العالمية.

كما عزز الصندوق دوره في تقديم المشورة الفنية لجهة مواجهة التحديات التي فرضتها الجائحة على الخدمات المالية والمصرفية وإستراتيجية الخروج من الأزمة التي رافقت جائحة كورونا، تمثلت في إصدار عددٍ من المبادئ الإرشادية ليصطف الصندوق إلى جانب المؤسسات التي تضع المعايير الدولية لتعزيز قدرات السلطات الإشرافية في الدول الأعضاء لتبني السياسات والإجراءات الفعّالة لمواجهة تداعيات الجائحة وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي. كما تحول الصندوق إلى مؤسسة رائدة على مستوى المنطقة العربيّة كجزءً من المنظومة العالمية لقيادة عملية التحول المالي الرقمي.  

كذلك عزز الصندوق دوره كمركز للمعرفة ومنصة للحوار في مواضيع الشمول المالي، والتقنيات المالية الحديثة، حيث تم إطلاق مؤشر "التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية" (FinxAr) كوسيلة لمساعدة صانعي السياسات في تحديد متطلبات التطوير في مجال التقنيات المالية الحديثة. كذلك حرص الصندوق على توسيع أنشطته لدعم تطوير القطاع المالي غير المصرفي من خلال أنشطة عدة تتعلق بقطاع التأمين، وصناديق التقاعد والمعاشات، وبرامج ضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها. كما نفّذ الصندوق عدداً من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز التمويل المسؤول والمستدام، ودعم الحوار حول تغيرات المناخ والتمويل الأخضر.

ولا ننسى الدور الحيوي والمعزّز الذي لعبه الصندوق كمنصّة لجمع الفاعلين وصناع السياسة في القطاع المالي للعديد من المؤسسات على المستويين العربي والدولي لإثراء الحوار البنّاء حول سبل تعزيز الاستقرار المالي والمصرفي ومواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفتها جائحة كورونا لاسيما من خلال متابعة المخاطر النظامية في القطاع المصرفي العربي وتقديم المشورة لتقوية السياسات الاحترازية.

إضافة إلى ذلك، فقد استكمل الصندوق إنشاء المؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربيّة وبناء وتشغيل منصّتها التقنية "منصة بُنى"، التي باتت تضم عدداً من العملات العربية والدولية وارتبط بها عدد من البنوك، والعمل جارٍ على إطلاق خدمات الدفع الفوري، التي تميّز خدمات المنصة.

وخلال العامين الماضيين وفّر صندوق النقد العربي موارد مالية لعدد من دوله الأعضاء في شكل قروض جديدة، أو سحب على القروض القائمة، لمواجهة التداعيات الاقتصادية والمالية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا ودعم جهود الإصلاح في دوله الأعضاء، بلغت حوالي 452 مليون دينار عربي حسابي (د.ع.ح.)، ما يعادل حوالي 2 مليار دولار أمريكي، ذلك منذ بداية عام 2020 وحتى نهاية عام 2021.

بإضافة قيمة القروض الجديدة التي وافق الصندوق على تقديمها لدوله الأعضاء في عام 2021 إلى رصيد القروض المقدمة منذ بداية نشاطه الإقراضي في عام 1978، يصل إجمالي قيمة القروض التي وافق الصندوق على تقديمها لدوله الأعضاء، حتى نهاية عام 2021، إلى نحو 2.8 مليار د.ع.ح.، تعادل نحو 11.3 مليار دولار أمريكي استفادت منها أربعة عشرة دولة عربية.

ومواكبةً للمستجدات التي فرضها انتشار جائحة كورونا، بدأ معهد التدريب وبناء القدرات التابع لصندوق النقد العربي برامج التدريب "عن بُعد" التي تأتي في سياق استراتيجية صندوق النقد العربي للفترة (2020-2025). تم خلال عام 2021، تصميم البرامج التدريبية بحيث تأخذ بالاعتبار التحديات المرتبطة بجائحة كورونا، وما ترتب عنها من تداعيات، وكيفية التعامل مع المستجدات خلال مرحلة التعافي من الجائحة، حيث تمكن الصندوق من إعادة جدولة الدورات التي تعذر عقدها خلال فترة الإغلاق التي شهدها عام 2020، حيث تم خلال عام 2021 عقد 52 دورة تدريبية، "عن بُعْد".  استفاد منها 1,521 متدرباً من الكوادر الرسمية العربية. بذلك، وصل عدد المستفيدين من الدورات التدريبية التي قدمها الصندوق، منذ إنشائه، وحتى نهاية عام 2021، إلى 15,559 متدرباً. 

كما واصل الصندوق خلال عام 2021 دعمه للدول الأعضاء من خلال برنامج تمويل التجارة العربية، فمنذ شهر يناير عام 2021 وحتى نهاية ديسمبر 2021، بلغت قيمة السحوبات من خطوط الائتمان (1,012) مليون دولار أمريكي بموجب طلبات تمويل تجارية مؤهلة، وبلغ رصيد التزامات الوكالات الوطنية (769) مليون دولار أمريكي في نهاية ديسمبر2021. كما تم خلال تلك الفترة توقيع (9) اتفاقيات خط ائتمان غير معزز بقيمة إجمالية بلغت (767) مليون دولار أمريكي، وثلاث اتفاقيات مرابحة بقيمة إجمالية بلغت (85) مليون دولار أمريكي.

بذلك بلغت قيمة الطلبات التي وردت إلى البرنامج منذ إنشائه وحتى نهاية ديسمبر 2021، حوالي 19.4 مليار دولار أمريكي، لتمويل صفقات تجارية قيمتها حوالي 25.6 مليار دولار أمريكي، حيث وافق البرنامج على تمويل 18.9 مليار دولار أمريكي، كما بلغت قيمة السحوبات خلال الفترة المذكورة حوالي 18.3 مليار دولار أمريكي.

من جانب آخر، واصل صندوق النقد العربي في أعقاب الجائحة دعم أسواق رأس المال العربية من خلال الاستثمار في إصدارات السندات التي تتوافق مع توجهات سياسته الاستثمارية، حيث زادت الاستثمارات في إصدارات السندات الحكومية العربية وغير الحكومية العربية بنسبة 44.9 في المائة بنهاية عام 2021، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق لتصل إلى نحو 1.95 مليار وحدة حقوق سحب خاصة.

 أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

يواصل الصندوق جهوده الرامية إلى تطوير القطاع المالي في إطار استراتيجيته الحالية من خلال العمل على عدد من المسارات المتكاملة لتطوير القطاعات المالية المصرفية وغير المصرفية لزيادة فرص النفاذ إلى التمويل والخدمات المالية لتحسين مستويات الشمول المالي. في هذا السياق، يعمل الصندوق على الارتقاء بمبادرة تطوير أسواق السندات في الدول العربية، بالتعاون مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، بما يساهم في توفير مزيد من الدعم لتطوير أسواق أدوات الدين في الدول العربية، ويعزز من دورها ومساهماتها في تمويل الاحتياجات المتزايدة من مشروعات البنية التحتية. 

كما يعمل الصندوق في إطار المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في الدول العربية على الارتقاء بمؤشرات الوصول للتمويل لجميع القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية في الدول العربية، خاصة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بما يساهم في دعم فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.

لعل من أهم إسهامات المبادرة، إعداد نموذج شامل للمسوحات الإحصائية لجانب الطلب على الخدمات المالية سواءً لقطاع الأفراد والأسر، أو لقطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. تمثل هذه المسوحات، معونة فنية للدول العربية لإعداد إحصاءات موثوقة وبناء مؤشرات ذات دلالة يمكن على ضوئها تطوير السياسات والبرامج الملائمة. إلى جانب هذه المسوحات، حرص الصندوق بالتعاون مع المؤسسات الشريكة على تقديم المشورة الفنية لعدد من الدول العربية في مجال تطوير السياسات والإستراتيجيات والبرامج التي تساعد على الارتقاء بالشمول المالي.

كما يولي صندوق النقد العربي، اهتماماً كبيراً بمواضيع التقنيات المالية الحديثة وتطبيقاتها، إدراكاً منه للفرص الكبيرة التي تتيحها هذه التقنيات في تعزيز الشمول المالي، حيث إن النظم والابتكارات في التقنيات المالية تساهم في تقديم خدمات مالية بأسعار معقولة في متناول الأفراد الذين لا يستفيدون من الخدمات المصرفية بغية تعزيز وترسيخ الشمول المالي في المنطقة العربية. وقد حرص الصندوق في إطار مسؤوليته كأمانة فنية على تضمين برامج اجتماعات مجلس وزراء المالية العرب ومجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية واللجان وفرق العمل المنبثقة عنهما، لمواضيع تطبيقات التقنيات المالية الحديثة ودراسة تداعياتها على الاقتصاد والاستقرار والشمول المالي، بما يشجع على تبادل التجارب والخبرات في هذا الشأن.

 كما يعمل الصندوق في إطار مبادرة "عربستات" على حث الهياكل الإحصائية على تطبيق الادلة والمنهجيات الدولية وتوفير البيانات الموثوقة والشاملة واتاحتها بالصفة الكافية الى كل المستفيدين وتوسيع قاعدة المؤشرات ونشرها في الوقت المناسب بهدف تطوير عملية جمع وإنتاج ونشر الإحصاءات في الدول العربية لخدمة متخذي القرار. تم في إطار المبادرة تنظيم حزمة من أنشطة التدريب لفائدة الكوادر العربية في الأجهزة الإحصائية، ووزارات المالية، والمصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية. كما تم تنظيم عدد من البعثات الفنية "عن بُعد" المشتركة مع المؤسسات الدولية في مجال الإحصاءات الوطنية إلى عدد من الدول العربية لتعزيز وبناء القدرات.

من جانب آخر، يواصل الصندوق مساعيه المستمرة لتطوير أنشطته البحثية لدعم متخذي القرار وصناع السياسات في الدول العربية من خلال الارتقاء بالتقارير والدراسات والنشرات التي تتناول الموضوعات ذات الأولوية بالنسبة للبلدان الأعضاء ومن بينها التقرير الاقتصادي العربي الموحد، وتقرير آفاق الاقتصاد العربي، وتقرير الاستقرار المالي، وتقرير نافذة على طريق الإصلاح. كما أطلق الصندوق مؤخراً سلسلة بحثية جديدة  "موجز سياسات" لدعم صناع القرار.

كما يواصل الصندوق، اهتمامه بتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية والتجمعات والهيئات الاقتصادية والبنوك المركزية ووكالات التنمية العالمية. فمن جانب، توسع الصندوق في الأنشطة المشتركة مع هذه المؤسسات والهيئات لخدمة احتياجات دولنا العربية، سواءً على صعيد المشاركة في بعثات المشورة الفنية وتنظيم ورش عمل ومؤتمرات أو على صعيد إعداد تقارير ودراسات مشتركة. من جانب آخر، عمل الصندوق على تعزيز مشاركة المؤسسات الإقليمية والدولية في أعمال مجلس وزراء المالية العرب ومجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية واللجان والفرق المنبثقة عنهما، من خلال تقديم أوراق عمل في اجتماعات المجالس واللجان بما يتيح الفرصة لنقل التجارب والخبرات حول القضايا والمواضيع المطروحة. كما يسعى الصندوق كذلك إلى تكثيف تعاونه مع المؤسسات ذات الصلة في البلدان الأعضاء في عدد من المجالات الاقتصادية والمالية والمصرفية والاحصائية والبحثية، بما يخدم تطوير أنشطته وأعماله، استجابة لاحتياجات وأولويات الاقتصادات العربية.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

 تلك هي بعض الملامح لأنشطة الصندوق التي نعتزم التأكيد عليها وتطويرها في المرحلة القادمة، سعياً لتعزيز الدور الريادي والمرموق لهذه المؤسسة المالية العربية. ولا شك أن نجاح هذه المساعي، مرتبط بدعم وتشجيع المجلس الموقر لمحافظي الصندوق، متطلعاً في هذه المناسبة للاستماع إلى كل النصح والمشورة بما يُمكن الصندوق من تحقيق ما تصبو إليه دوله الأعضاء.

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات الأخوات والأخوة،

لم يتبق لي في هذه الكلمة إلا أن أتوجه بالشكر والعرفان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر كل من الصندوق وبرنامج تمويل التجارة العربية والمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية، على توفيرها لكافة التسهيلات التي تساعد على تحقيق كل من الصندوق والبرنامج والمؤسسة للأهداف المرجوة منهما.

في الختام لا يسعني إلا أن أشكر مرة أخرى بلدنا العزيز المملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً على استضافة الاجتماعات راجياً لهذا البلد العزيز الكريم المضياف مزيداً من التقدم والازدهار، كما أرجو لاجتماعاتنا كل التوفيق والنجاح.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،