معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة المتحدث الرئيس في المنتدى الدولي لضمان القروض

المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي حجر الزاوية للتنمية الإقتصادية في المنطقة العربية، تستحوذ على ثلث التوظيف في القطاع الرسمي

أكثر من ربع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية، تعتبر الوصول للتمويل العائق الأكبر لها، ونحو ثلث هذه المشروعات فقط لديها خطوط إئتمان مع مؤسسات مالية رسمية

جائحة كورونا كان لديها تداعيات سلبية على المشروعات الصغيرة والمتوسطة

الإجراءات التي قامت بها السلطات الإشرافية في الدول العربية، خففت من التداعيات، وهناك حاجة للمزيد من الجهود لدعم هذه المشروعات في مرحلة التعافي

صندوق النقد العربي قدم تسهيلات حتى الآن بنحو 550 مليون دولار بهدف المساعدة على توفير البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة

صناديق وبرامج ضمان القروض، تلعب دوراً محورياً في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومن الأهمية العمل على توظيف التقنيات المالية الحديثة في خدماتها

صندوق النقد العربي يتطلع لتعزيز تعاونه مع جميع برامج وصناديق ضمان القروض في إطار رؤية مشتركة

ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي كلمة المتحدث الرئيس في افتتاح أعمال المنتدى الدولي الخامس لضمان القروض، الذي ينظمه برنامج "كفالة" في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية "عن بُعد" يومي 6 و 7 سبتمبر 2021.

أكد معاليه في بداية الكلمة على أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الناحية الاقتصادية على المستويين العربي والعالمي في شأن مساهمتها في خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي، مبيناً في هذا الإطار أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية تمثل أكثر من 90 في المائة من مجموع الشركات العاملة.

كما أشار معالي الدكتور الحميدي بتأثر المشروعات الصغيرة والمتوسطة بتداعيات جائحة كورونا، مبيناً في هذا الصدد أن دعم تعافي هذه المشروعات من آثار تداعيات الجائحة، يمثل أولوية كبيرة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي في هذه المرحلة، ويتطلب تضافر الجهود من مختلف السلطات الإشرافية ذات العلاقة في الدولة، إلى جانب تبني إطار ورؤية شاملة تهدف لمعالجة تحديات وصول هذه المشروعات للتمويل، وتأهيل رأس المال البشري، وتحديث البنية التحتية المواتية إضافةً إلى دعم رقمنة الخدمات.

أكد معاليه على أهمية متابعة تعزيز فرص الوصول إلى الخدمات المالية التي تتناسب مع احتياجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة على صعيد تطوير نظم المعلومات الائتمانية، والمنافسة المصرفية، وتطوير خدمات أسواق رأس المال الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة لتوسيع الوصول إلى مصادر تمويل جديدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مشيراً في هذا الصدد إلى قيام صندوق النقد العربي بتقديم تسهيلات لعدد من الدول العربية لدعم البيئة المواتية للشركات الصغيرة والمتوسطة، بلغ إجمالي المقدم نحو 550 مليون دولار.

في نفس السياق، أشار معاليه في كلمته أن نحو 25.3 في المائة من الشركات في المنطقة العربية، تعتبر الوصول إلى التمويل على أنه العائق الرئيس، ويمتلك فقط 26.5 في المائة منها خطوط تمويل مع مؤسسات مصرفية، مبيناً في هذا الإطار وجود فجوة مالية كبيرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية، تبلغ بالمتوسط، نحو 33 في المائة. بيّن في هذا الإطار أن حجم الإقراض المصرفي إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة يبلغ كنسبة مئوية من إجمالي الإقراض المصرفي، أقل من 12 في المائة في المتوسط في الدول العربية، مبيناً أن وصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل الرسمي، سيساهم في خلق ما يصل إلى 8 ملايين وظيفة في العالم العربي بحلول عام 2025.

أكد معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة الصندوق، على الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه صناديق وآليات ضمان القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة خلال فترات الأزمات والانكماش الاقتصادي، كدور معاكس للتقلبات الدورية، مبيناً أن خدمات هذه البرامج والصناديق من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على نمو أصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقلل من احتمالية التخلف عن السداد.

من جانب آخر، بيّن معاليه أن التداعيات السلبية لجائحة كورونا أبرزت الأهمية الكبيرة لتوظيف التقنيات الحديثة لأغراض الشمول المالي، وضرورة تعزيز الخدمات المالية الرقمية وتوعية مستخدميها. أشار في هذا الصدد إلى الفرصة الكبيرة التي وفرتها الرقمنة لمؤسسات وبرامج ضمان القروض في دعم المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة خلال الجائحة، مشيداً بالجهود الكبيرة من بعض البرامج والصناديق العربية في هذا المجال التي تراوحت بين تسهيل التواصل الالكتروني مع البنوك والمقترضين، وبين تقديم المشورة الفنية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لدعم التحول الرقمي لديها. 

أكد معاليه أن دعم نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمثل جزءاً رئيساً من استراتيجية واهتمامات صندوق النقد العربي، منوهاً بقيام الصندوق بإطلاق تسهيل البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية بهدف توفير الدعم المالي والفني لدوله الأعضاء لإرساء وتطوير البنية التشريعية والتحتية الداعمة لنمو هذا القطاع. كما بيّن أن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعتبر محوراً مهماً من محاور عمل المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في المنطقة العربية، إضافةً إلى ما يقدمه معهد التدريب وبناء القدرات التابع للصندوق من أنشطة تدريب وبناء القدرات المتعلقة بتعزيز الشمول المالي ودعم البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

أشار معاليه كذلك إلى أنشطة الصندوق في مجال التقنيات المالية الحديثة حيث يعمل الصندوق على دعم جهود دوله الأعضاء على صعيد التحول المالي الرقمي سواء في إطار مبادرة الشمول المالي أو في إطار أنشطة مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة. بيّن معاليه في هذا الصدد قيام الصندوق بتنظيم عدد كبير من الاجتماعات وورش العمل "عن بُعْد"، لخبراء تطبيقات التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية خلال عامي 2020 و2021، تناولت موضوعات هامة، منها دور صناعة التقنيات المالية الحديثة في أعقاب الجائحة، وتحديات إلحاق العملاء رقمياً والهوية الرقمية، وقواعد اعرف عميلك الإلكترونية. كما جرت الإشارة إلى وثيقة رؤية حول إطار التحول المالي الرقمي في الدول العربيّة، التي أصدرها الصندوق في سبتمبر 2020، التي هدفت إلى دعم جهود الدول العربية على صعيد التحول المالي الرقمي، وتطوير الخدمات الرقمية، منوهاً أن هذه الجهود تدعم بصورة كبيرة مساعي تقدم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية.

أخيراً بيّن معالي الحميدي أن الصندوق يعمل حالياً على دعم جهود تعزيز صناعة التمويل الأصغر وتوسيع دور صناديق وبرامج الضمانات، مشيراً إلى إعداد الصندوق لوثيقة رؤية لتطوير قطاع التمويل الأصغر تقدم مجموعة من الأنشطة التي تهدف تسريع جهود تطوير خدمات التمويل الأصغر وتوظيف التقنيات والتمويل البديل في توفير المزيد من التمويل للمشروعات المتناهية الصغر، متطلعاً في هذا الصدد للعمل مع برامج وصناديق ضمان القروض لدراسة جدوى إنشاء ترتيبات إقليمية للضمانات المقابلة تعزز توفر السيولة لهذه البرامج كأداة لتقاسم المخاطر، التي أثبتت التجارب الدولية أنها إذا تم تصميمها وتنفيذها بعناية، ستساهم في الارتقاء في وصول المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة إلى التمويل، وبالتالي تعزيز خلق فرص العمل في المنطقة العربية.

في الختام، أكد معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي حرص الصندوق على توسيع تعاونه وبناء شراكات مع جميع الأطر والمؤسسات الاقليمية والدولية للعمل معاً في سبيل دعم تطوير برامج وصناديق ضمان القروض وتعزيز دورها في زيادة فرص الشمول المالي للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة: 

 

الأخ الدكتور فهد الشثري  المحترم

الأخ المهندس صالح الرشيد  المحترم

السيدات والسادة الحضور،

أسعد الله أوقاتكم بكل خير وسرور ونسأل الله العلي القدير أن يرفع عنا وعن دول العالم أجمع هذا الوباء، وأن يحفظ العالم من كل مكروه،

يسرني في البداية التواجد معكم في الملتقى الدوري الخامس لصناديق ضمان القروض في المنطقة العربية، الذي يركز هذا العام على موضوع دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مرحلة التعافي ما بعد جائحة كورونا، ودور آليات وصناديق الضمان في توسيع فرص الحصول على التمويل للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية في هذه المرحلة. أود أن أعرب عن تقديري لبرنامج "كفالة" في المملكة العربية السعودية على دعوتهم لصندوق النقد العربي ويسعدني أن أتحدث لجمعكم الكريم في هذه المناسبة متطلعاً للمزيد من التعاون والشراكة بين الصندوق وجميع برامج وصناديق الضمان في المنطقة العربية.

السيدات والسادة الحضور،

كما تعلمون، تحتل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية على المستوى العالمي، وفي حالة دولنا العربية تعد بمثابة حجر الزاوية في الاقتصادات العربية، إذ تشكل أكبر قطاعات الأعمال من حيث مساهمتها في التوظيف والنمو الاقتصادي. كما تعلمون وفقاً للبيانات المتاحة، تمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية أكثر من 90 في المائة من مجموع الشركات العاملة وتوفر مصدراً رئيساً لخلق فرص العمل الجديدة، حيث تستحوذ على نحو ثلث الوظائف في القطاع الرسمي. من هنا تدرك السلطات في الدول العربية الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية المستدامة.

السيدات والسادة الحضور،

كما تعلمون، كان لجائحة كورونا آثار سلبية على المشروعات الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في القطاعات التي عانت من الإغلاق وتدابير التباعد الاجتماعي، حيث كانت هذه المشروعات الأكثر تضرراً. لجأت الدول لاستخدام القروض والضمانات العامة على نطاق واسع في الدول المتقدمة، وبصورة أقل في الدول النامية للتخفيف من العواقب الاقتصادية للوباء. ولا شك أن دعم تعافي هذه المشروعات من آثار تداعيات الجائحة، في ضوء هشاشة أوضاعها المالية، يمثل أولوية كبيرة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي في هذه المرحلة.

يتطلب دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تضافر الجهود من مختلف السلطات الاشرافية ذات العلاقة في الدولة ومشاركة المؤسسات المالية، حيث تبرز أهمية تبني إطار ورؤية شاملة، تعالج الفجوات في وصول هذه المشروعات إلى التمويل من جهة، وتخلق من جهة أخرى بيئة أعمال مواتية، إضافة إلى العمل على تأهيل رأس المال البشري، وتحديث البنية التحتية المواتية، ودعم رقمنة الخدمات. كما يتعين أن يعزز هذا الإطار والنهج تشجيع عقلية ريادة الأعمال ودعم الابتكار.

ولا يخفى عليكم أن هناك مجموعة من الإجراءات والمحاور الاستراتيجية التي يتعين انتهاجها، منها تعزيز قدرات المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الوصول إلى عوامل الإنتاج عالية الجودة من خلال الاهتمام بتطبيقات التقنيات الحديثة والارتقاء بنظم وشبكات البنية التحتية الاساسية، حيث من شأن الاستثمار الموجه أن يلبي بشكل أفضل احتياجات سوق العمل ويبني مهارات إنشاء وإدارة المشاريع. كذلك، إن ضمان الوصول إلى البنية التحتية الأساسية الموثوقة، سيقلل من تكاليف الإنتاج لدى تلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتلعب هنا، سياسات توظيف التقنيات الحديثة دوراً مهماً في تسهيل الوصول إلى المدخلات والأسواق الجديدة وتحسين الإنتاجية.

ومن محاور العمل، تطوير بيئة ملائمة للأعمال التجارية من خلال إنشاء أطر قانونية وتنظيمية وضريبية ملائمة لهذه المشروعات، وضمان تكافؤ الفرص أمامها لتحقيق المنافسة العادلة. ومن شأن تحسين الحوكمة، بما في ذلك إدارة الضرائب والمشتريات العامة، أن يساعد في توسيع الفرص أمام هذه المشروعات.

اسمحوا لي في هذا الصدد، أن أشير أن صندوق النقد العربي قدم تسهيلات لعدد من الدول العربية لدعم البيئة المواتية للشركات الصغيرة والمتوسطة، هدفت رفد جهود السلطات العربية في خلق البنية التشريعية والبنية التحتية المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. شملت ثلاث دول عربية بقيمة إجمالية تبلغ نحو 550 مليون دولار وهناك طلبات تمويل لدول أخرى يجري العمل عليها حالياً، تغطي مواضيع تعزيز الاشراف على مزودي الخدمات المالية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوظيف التقنيات الحديثة، إضافة  لتطوير آليات ضمان القروض لهذه المشروعات.

من جانب آخر، من الأهمية كذلك مراعاة جوانب الفعالية والاستدامة عند تصميم برامج وآليات دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال إيلاء المزيد من الاهتمام لمعالجة تحديات التمويل وقضايا إدارة وتنفيذ وتقييم هذه البرامج، وتواصلها.

السيدات والسادة الحضور،

ولعل من أهم محاور العمل تكمن في متابعة تعزيز فرص الوصول إلى الخدمات المالية التي تتناسب مع احتياجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة على صعيد تطوير نظم المعلومات الائتمانية، والمنافسة المصرفية، وتطوير خدمات أسواق رأس المال الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة لتوسيع الوصول إلى مصادر تمويل جديدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

ولا يخفى عليكم أن نحو 25.3 في المائة من الشركات في المنطقة العربية بغض النظر عن حجمها، تعتبر الوصول إلى التمويل على أنه العائق الرئيس مقارنة بنحو 15.9 في المائة في أوروبا وآسيا الوسطى ونحو 14.1 في المائة في شرق آسيا والمحيط الهادي. في الواقع، هناك فجوة مالية كبيرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية، قد تصل إلى أكثر من 90 في المائة لدى بعض الدول العربية. وفي المتوسط، نحو 33 في المائة من المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الدول العربية، لا يتوفر لها فرص الوصول للتمويل، وتمثل ملكية النساء للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية نحو 8 في المائة فقط في المتوسط من إجمالي المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.

كما تعلمون يواجه عدد كبير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة قيود في الحصول على تسهيلات مصرفية، حيث يمتلك فقط نحو 26 في المائة منها في منطقتنا العربية  خطوط تمويل مع مؤسسات مصرفية، مقارنة بنسبة تتراوح بين 33-47 في المائة لدى الدول النامية والاقتصادات الناشئة الأخرى. ولا يزال الإقراض المصرفي إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة كنسبة مئوية من إجمالي الإقراض المصرفي التجاري، يمثل أقل من 12 في المائة في المتوسط في دولنا العربية.

ولا شك أن تحسين وصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل في المنطقة العربية إلى المستويات المماثلة لدى الاقتصادات الناشئة والنامية، من شأنه أن يرفع معدل النمو السنوي بنسبة تصل إلى واحد في المائة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يساهم تسهيل وصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل الرسمي، في خلق ما يصل إلى 8 ملايين وظيفة في المنطقة العربية بحلول عام 2025.

السيدات والسادة الحضور،

عززت السلطات في الدول العربية إهتمامها في السنوات الماضية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال السعي للتغلب على تحديات التمويل، حيث قامت بتنفيذ العديد من الإجراءات ركزت على معالجة نقص المعلومات الإئتمانية وتقليل مخاطر الائتمان للمقترضين من المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تطوير مركزيات المخاطر والعمل على إنشاء مكاتب الإستعلام الإئتماني، وآليات وبرامج الضمان، وإنشاء سجلات للأصول المنقولة. واليوم هناك مكاتب مستقلة للاستعلام الإئتماني التي تلبي متطلبات المعلومات للمقرضين التجاريين في تسع دول عربية. من المرجح أن يتواصل التأثير المحفز لخدمات مكاتب الاستعلام الائتماني في توفير المعلومات والتقارير الائتمانية التي من شأنها دعم وصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل، مع توسع معدلات التغطية والنطاق مع الوقت ليشمل جميع المشروعات. وبعض مكاتب الاستعلام الائتماني مثل شركة سمة في المملكة العربية السعودية، أضافت مؤخراً خدمات سجلات ضمانات الأصول غير المنقولة، بما يوفر المزيد من الفرص لتعزيز التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو توجه نعلم أن مكاتب استعلام ائتماني أخرى تعمل على محاكاته.

إضافة إلى شركات الاستعلام الائتماني، مثّل التطور الأبرز في تعزيز دور صناديق وبرامج ضمانات القروض، حيث تمتلك اليوم معظم الدول العربية شكلاً من أشكال البرامج العامة لضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع وجود تباين في هيكل وآليات عمل هذه الصناديق والبرامج، حيث يتكون بعضها من مساهمات عامة وخاصة، في حين أن البعض الآخر عبارة عن مؤسسات مالية عامة، أو ممولة من مانحين.

في هذا السياق، اختارت عدد من البرامج وصناديق الضمان في المنطقة العربية، نهجاً فردياً، حيث يقوم البرنامج بفحص مشروع مقدم الطلب وإصدار الضمان المقابل، وترك عملية التفاوض بشأن القرض بين المقترض والمقرض. تكمن النتيجة الإيجابية المحتملة لمثل هذا النهج في أنه يمكن أن يساهم في تطوير المعلومات الائتمانية، نظراً لأن المقترضين الجدد يتقدمون بطلب إلى الضامن مباشرة، حيث يمكن أن يؤدي مناقشة القرض إلى توليد معلومات لم تكن موجودة في السابق. كما يمكن أن تساهم المعلومات المتعلقة بالمقترضين الجدد، التي يتم مشاركتها لاحقاً بين الضامن والمُقرض، في زيادة عمق المعلومات الائتمانية، شريطة مشاركتها مرة أخرى لاحقاً مع سجلات الاستعلام الائتماني القائمة.   

من ناحية أخرى، تستخدم صناديق وشركات الضمان في دول عربية أخرى نهجاً هجيناً، بين الفحص الفردي للمشروع، وبين ترك الأمر كله إلى المُقرض وفقاً لمعايير متفق عليها. كما تستخدم شركات أخرى نهج المحفظة، الذي يتفاوض بموجبه الضامن مع المُقرضين حول معايير الموافقة على القرض، إضافة إلى المبلغ الإجمالي الذي سيتم ضمانه.

مع هذه الجهود والتطورات على صعيد الاستعلام الائتماني وضمان القروض، وعلى الرغم من بعض التقدم المحرز في هذه المجالات، إلا أنه لا يزال هناك حاجة للمزيد من العمل في عدد من المجالات، خاصة تلك المتعلقة بالمعلومات الائتمانية والحقوق القانونية لتسهيل الوصول إلى التمويل.

السيدات والسادة الحضور،

أثبتت جائحة كورونا، الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه صناديق وآليات ضمان القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة خلال فترات الأزمات والانكماش الاقتصادي، كدور معاكس للتقلبات الدورية. في هذا الإطار، أبرزت نتائج التقييم لدى الاتحاد الأوروبي لبرامج وآليات ضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاتحاد، أن خدمات هذه البرامج والصناديق انعكست بشكل إيجابي على نمو أصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وحجم المبيعات، والتوظيف لدى هذه المشروعات، وقللت من احتمالية التخلف عن السداد.

كما تعلمون أثرت جائحة كورونا سلباً وبشكل كبير على إيرادات المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، بسبب توقف أنشطتها أثناء الإغلاق الكامل أو الجزئي الذي فرضته الدول، وحظر التجول، والقيود المفروضة على الحركة، مما يزيد مخاطر الائتمان وهو ما يؤدي إلى انكماش الإقراض المصرفي. لذلك، أصبحت تدخلات صناديق وبرامج ضمان القروض، تمثل أحد أهم الاستجابات لدعم احتياجات التمويل للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة خلال الجائحة. وبالفعل قدمت السلطات في عدد من الدول العربية دعماً مالياً لبرامج الضمان لتوجيهها إلى القطاعات الإنتاجية المحتاجة. كما كانت زيادة تغطية الضمان وخفض الرسوم وتسريع الإجراءات، من أبرز التدابير التي اتخذتها برامج وصناديق الضمان في المنطقة العربية، للتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية الواسعة للجائحة.

ولا شك أن الدعم الحكومي ساهم في الحد من التداعيات السلبية للجائحة على النشاط الاقتصادي خلال الأزمة ودعم إستدامة خدمات هذه الصناديق والبرامج.

السيدات والسادة الحضور،

لا شك أن التداعيات السلبية لجائحة كورونا أبرزت بوضوح الأهمية الكبيرة لتوظيف التقنيات الحديثة لأغراض الشمول المالي، وضرورة تعزيز الخدمات المالية الرقمية وتوعية مستخدميها. لقد عززت جائحة كورونا الطلب على الخدمات المالية الرقمية، وجعلت الحاجة إلى تسريع التحول الرقمي وتحسين الخدمات المالية الرقمية أمراً بالغ الأهمية في السياسات الاقتصادية في المنطقة العربية.

ولا شك أن الرقمنة توفر لمؤسسات وبرامج ضمان القروض فرصة كبيرة في دعم عدد متزايد من المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة خلال الجائحة، لما تتيحه من تسريع الاجراءات وتطوير في الخدمات. وبالفعل كان هناك جهود كبيرة من بعض البرامج والصناديق العربية تراوحت بين تسهيل التواصل الإلكتروني مع البنوك والمقترضين وبين تقديم المشورة الفنية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لدعم التحول الرقمي لديها. 

ولا شك أن خدمات برامج وصناديق ضمان القروض مثلت أحد أهم الأدوات التي ساعدت السلطات الاشرافية ومقدمي الخدمات المالية على تسريع إيصال الخدمات الضرورية للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة خلال الجائحة، بسبب الحجم الكبير للأضرار التي تعرضت لها هذه المشروعات جراء الأزمة الصحية العالمية والإغلاقات المستمرة للأعمال والمنشآت الاقتصادية، إلى جانب دورها الاساسي في توزيع  المخاطر والتخفيف من أعباء متطلبات كفاية رأس المال وتوفر المخصصات والاحتياطيات على المؤسسات المالية، مما ينعكس إيجاباً على الدخل، ويساعد على توفير الخدمات المالية والتمويل اللازم لجميع الفئات المستهدفة. ولا شك أن هناك دروس مستفادة من الازمة ستساعدنا على تطوير الآليات والأدوات المناسبة للتعامل مع مثل هذه الصدمات.

السيدات والسادة الحضور

إدراكاً لأهمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يمثل دعم نمو هذه المشروعات جزءاً رئيساً من استراتيجية واهتمامات صندوق النقد العربي. فإلى جانب ما أشرت إليه حول تسهيل البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية الذي أطلقه الصندوق منذ عدة سنوات بهدف توفير الدعم المالي والفني لدوله الأعضاء لإرساء وتطوير البنية التشريعية والتحتية الداعمة لنمو هذا القطاع، يعتبر دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة محوراً مهماً من محاور عمل المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في المنطقة العربية، التي يتعاون فيها الصندوق مع البنك الدولي والوكالة الألمانية للتنمية والتحالف العالمي للشمول المالي. ولعل من أهم أنشطة هذه المبادرة إعداد نموذج شامل للمسوحات الإحصائية لجانب الطلب على الخدمات المالية، تتضمن نماذج خاصة بمسوحات لقطاع المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. ولا شك أن تطبيق النموذج الذي ينسجم مع واقع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية، يمثل خطوة مهمة نحو جمع الإحصاءات والمعلومات التي تساعد صانعي السياسات في إدراك تحديات وصول هذه المشروعات إلى التمويل والخدمات المالية ومعالجتها. نتطلع إلى قيام جميع دولنا العربية بتطبيق هذا النموذج الذي سبق توزيعه على جميع المصارف المركزية العربية.

إضافة إلى ما سبق، يقدم الصندوق خدمات التدريب وبناء القدرات من خلال معهد متخصص، حيث تستحوذ أنشطة بناء القدرات المتعلقة بتعزيز الشمول المالي ودعم البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة على اهتمام ملحوظ في نشاط التدريب للصندوق.  

السيدات والسادة الحضور

لا يخفى عليكم من جانب آخر نشاط الصندوق في مجال التقنيات المالية الحديثة، حيث يعمل الصندوق على دعم جهود دوله الأعضاء على صعيد التحول المالي الرقمي، سواء في إطار مبادرة الشمول المالي أو في إطار أنشطة مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة. وهي أنشطة تخدم بصورة كبيرة تقدم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

فقد نظم الصندوق في سياق تعزيز الحوار حول التحول المالي الرقمي، خلال عامي 2020 و 2021، عدد كبير من الاجتماعات وورش العمل "عن بُعْد"، لخبراء تطبيقات التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية. ناقشت الاجتماعات عدد من الموضوعات الهامة، منها دور صناعة التقنيات المالية الحديثة في أعقاب الجائحة، وتحديات إلحاق العملاء رقمياً والهوية الرقمية، وقواعد اعرف عميلك الإلكترونية. كما ركزت الاجتماعات على سبل مواجهة التهديدات الإلكترونية وتبادل المعلومات بشأنها. أولت الاجتماعات إهتماماً لمناقشة سلامة تطبيقات العمليات المصرفية المفتوحة والفرص المتاحة والتحديات ذات العلاقة، إلى جانب الفرص التي يمكن أن تقدمها التقنيات المالية الحديثة للمؤسسات المالية والمصرفية.

كذلك وفي مجال دعم التحول المالي الرقمي، أصدر الصندوق في سبتمبر 2020 وثيقة رؤية حول "إطار التحول المالي الرقمي في الدول العربيّة". هدفت الوثيقة إلى دعم جهود الدول العربية على صعيد التحول المالي الرقمي، وتطوير الخدمات الرقمية، حيث تناولت متطلبات وخطوات التحوّل المالي الرقمي في الدول العربيّة، وقدمت رؤية متكاملة للإنتقال إلى الخدمات المالية الرقميّة والمتطلبات من السياسات والتقنيات لبناء البيئة المشجعة لتطويرها في الدول العربية.

في نفس الإطار، عمل الصندوق من خلال مجموعة التقنيات المالية الحديثة على إصدار مجموعة من الأدلة والمبادئ الإرشادية، شملت مواضيع الهوية الرقمية وقواعد إعرف عميلك الإلكترونية في الدول العربية، والسلامة الإلكترونية للبنية التحتية المالية في الدول العربية، وبناء إستراتيجيات وطنية للتقنيات المالية الحديثة، وإرشادات التمويل البديل للدول العربية، والعمليات المصرفية المفتوحة. كما أطلق الصندوق دليلاً تنظيمياً حول "التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية".  

وفي السياق نفسه من الجوانب التي يعمل عليها الصندوق حالياً، دعم جهود تعزيز صناعة التمويل الأصغر وتوسيع دور صناديق وبرامج الضمان. فقد تم اعداد وثيقة رؤية لتطوير قطاع التمويل الأصغر، تقدم خارطة طريق وتشمل مجموعة من الأنشطة التي تهدف تسريع جهود تطوير خدمات التمويل الاصغر وتوظيف التقنيات والتمويل البديل في توفير المزيد من التمويل للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. كما نتطلع للعمل مع برامج وصناديق ضمان القروض لدراسة جدوى إنشاء ترتيبات إقليمية للضمانات المقابلة تعزز توفير السيولة لهذه البرامج كأداة لتقاسم المخاطر، حيث أثبتت التجارب الدولية أن مثل هذه الترتيبات إذا تم تصميمها وتنفيذها بعناية، ستساهم في الارتقاء في وصول المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة إلى التمويل، وبالتالي تعزيز خلق فرص العمل في المنطقة العربية.

السيدات والسادة الحضور،

قبل أن أختم، أود أن أكرر أن صندوق النقد العربي حريص على توسيع تعاونه وبناء شراكات مع جميع الأطر والمؤسسات الاقليمية والدولية للعمل معاً في سبيل دعم تطوير برامج وصناديق ضمان القروض وتعزيز دورها في زيادة فرص الشمول المالي للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية، حيث أتطلع للترحيب بكم في مناسبات قادمة، مشيراً هنا للمؤتمر الذي سينظمه الصندوق يوم 29 نوفمبر القادم لمناقشة آفاق التعاون مع برامج وصناديق ضمان القروض. كما أتطلع لأنشطة مشتركة معكم في مجالات بناء القدرات والدراسات.

أخيراً، أتقدم بالشكر لدولة الإمارات العربية المتحدة على الرعاية والدعم الكبير الذي تقدمه باعتبارها دولة مقر صندوق النقد العربي، الذي يساهم بدون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،