صندوق النقد العربي يُصدر العدد الثامن عشر من موجز سياسات بعنوان "دور الشمول المالي في تمكين المرأة: الدروس المستفادة من أبرز التجارب الإقليمية والدولية"

زيادة وصول الإناث إلى الخدمات المالية يعزز استقلاليتهن المالية ونفاذهن للفرص بما يدعم التمكين الاقتصادي  للمرأة

المنطقة العربية تتسم بأكبر فجوة للنوع على مستوى العالم سواءً على صعيد الشمول المالي أو المشاركة في سوق العمل

على مستوى الدول العربية فرادى تسجل كل من الإمارات والكويت والبحرين أعلى نسبة لمستويات للشمول المالي للإناث ومشاركتهن في سوق العمل

يساهم كل ارتفاع بنقطة واحدة مئوية في نسبتي الإناث اللاتي لديهن حسابات في مؤسسات مالية وحسابات اقتراض في زيادة مستويات تمكين المرأة مقاسة بمشاركتهن في القوى العاملة بنحو 0.44 و0.23 نقطة مئوية على التوالي

تبني استراتيجيات وطنية للشمول المالي تركز على تذليل التحديات التي تواجه الإدماج المالي للإناث، وتعديل الأطر التنظيمية، والتوسع في الخدمات المالية المصممة لمواكبة احتياجاتهن، والتوسع في الخدمات المالية الرقمية ضرورات لزيادة مستويات الشمول المالي للإناث في الدول العربية

في إطار حرصه على تطوير أنشطته البحثية، أصدر صندوق النقد العربي العدد الثامن عشر من سلسلة موجز سياسات بعنوان "دور الشمول المالي في تمكين المرأة: الدروس المستفادة من أبرز التجارب الإقليمية والدولية". أشار الموجز أن كل من الشمول المالي والتمكين الاقتصادي للمرأة يعتبران من أهم الغايات التي تسعى أهداف التنمية المستدامة لتحقيقها في عام 2030. في هذا الإطار، تشير التقديرات المتضمنة بقاعدة بيانات الشمول المالي للبنك الدولي إلى وجود 1.1 مليار نسمة من الإناث لم يتمكّن من النفاذ إلى الخدمات المالية من مجمل 2 مليار نسمة على مستوى العالم غير مشمولين مالياً .تواجه الإناث على وجه الخصوص عدد من التحديات التي تحول دون نفاذهن إلى الخدمات المالية من بينها طبيعة الأطر التنظيمية والسياسات غير المُمكنة، والتحديات المرتبطة بالنظم الاجتماعية والأعراف السائدة، إلى جانب عدم توفر أوراق ثبوتية لدى عدد منهن، وعدم وجود ضمانات لديهن، وانخفاض مستويات المعرفة المالية، إضافة إلى الأطر القانونية التي قد تحد دون ملكية الإناث للأصول في بعض البلدان، ومجموعة أخرى من التحديات التي تواجه فرص الشمول المالي للمرأة على صعيد كل من جانبي العرض والطلب على الخدمات المالية .

بناءً عليه، وفي إطار اضطلاع صندوق النقد العربي في سياق المبادرة الإقليمية للشمول المالي بتنفيذ عدد من الأنشطة الداعمة لصنع السياسات بهدف زيادة مستويات النفاذ إلى الخدمات المالية، اهتم العدد الثامن عشر من موجز سياسات بإلقاء الضوء على دور الشمول المالي في التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال الوقوف على الوضع الراهن لمؤشرات التمكين الاقتصادي ومستويات نفاذ الإناث للخدمات المالية في الدول العربية، وكذلك الاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية المتميزة في طرح التوصيات على صعيد دعم الشمول المالي للإناث بما يعزز التمكين الاقتصادي للمرأة. أشار الموجز إلى أن الشمول المالي للإناث يساعدهن على إدارة الأموال بشكل أفضل، واتخاذ قرارات أكثر حصافة فيما يتعلق بالادخار والاستثمار، وكذلك على تأسيس مشروعات جديدة لريادة الأعمال، إضافة إلى دوره الإيجابي في زيادة مستويات نفاذهن ونفاذ عوائلهن للفرص الاقتصادية ممثلة في الحصول على خدمات التعليم والصحة والانخراط في سوق العمل. كافة هذه العوامل من شأنها تعزيز الاستقلالية المالية للمرأة على المستوى الفردي، وتعزيز مستويات التمكين الاقتصادي للمرأة على المستوى الكلي وهو ما يعمل بدوره على زيادة مستويات الدخل القومي، وخفض الفقر، والحد من أوجه عدم المساواة الاقتصادية، والإدماج الاجتماعي .

في ضوء ما سبق، تم تبني منهجية قياسية لتقدير العلاقة بين مشاركة المرأة في سوق العمل (كمؤشر للتمكين الاقتصادي للمرأة)، وأبرز مؤشرات الشمول المالي الخاصة بالإناث ممثلة في نسبة الإناث اللاتي لديهن حسابات في مؤسسات مالية، ونسبة النساء اللاتي لديهن بطاقات بنكية، ونسبة الإناث اللاتي لديهن حسابات للاقتراض من مؤسسات مالية لعينة تشمل 100 دولة من الدول النامية والاقتصادات الناشئة والتي تتوفر حولها بيانات كافية من واقع قواعد البيانات الخاصة بالبنك الدولي. أشارت نتائج النموذج إلى وجود علاقة إيجابية ما بين مؤشرات الشمول المالي للإناث ممثلةً في نسبة الإناث اللاتي لديهن حسابات في مؤسسات مالية، ونسبة الإناث اللاتي لديهن حسابات اقتراض، ومستويات تمكين المرأة مقاسة بنسبة مساهمتها في سوق العمل، في حين لم تثبت وجود علاقة ما بين نسبة امتلاك الإناث للبطاقات الائتمانية والتمكين الاقتصادي للمرأة وهو ما قد يُعزى إلى ارتباط ملكية البطاقات الائتمانية للإناث بشكل أكبر بانخراطهن في عمليات للشراء والتسوق كما أوضحت نتائج النموذج أن كل ارتفاع بنحو واحد نقطة مئوية في نسبتي الإناث اللواتي لديهن حسابات في مؤسسات مالية، وكذلك حسابات اقتراض في زيادة مستويات تمكين المرأة مقاسة بمستويات مشاركتهن في القوى العاملة بنسبة 0.44 و0.23 نقطة مئوية على التوال.. بناءً عليه، تؤثر الفجوة بين الجنسين في الشمول المالي (التي تُفهم على أنها عدم الوصول المتكافئ إلى النظام المالي) سلباً على نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة.

من جانب آخر، أوضح الموجز أن المنطقة العربية تعتبر فريدة من نوعها من حيث تسجيل أكبر فجوة للنوع سواءً على مستوى المشاركة في قوة العمل، أو مستويات الشمول المالي للإناث بحسب بيانات البنك الدولي. على مستوى الدول العربية فرادى تسجل كل من مستويات مشاركة الإناث في قوة العمل ونسبة الشمول المالي للإناث أعلى مستوى لها في ثلاث دول عربية هي الإمارات والكويت والبحرين.  يُلاحظ ارتباط ما بين ارتفاع مستويات الشمول المالي، والتمكين الاقتصادي للمرأة في الدول العربية مٌقاساً بنسبة مساهمة المرأة في سوق العمل، حيث تتوفر أعلى نسب للتمكين الاقتصادي للمرأة في الدول التي تسجل كذلك أعلى مستوى للشمول المالي وغالبيتها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فيما تسجل الدول العربية ذات الاقتصادات المتنوعة مستويات أقل من الشمول المالي والتمكين الاقتصادي. على ضوء ما سبق اهتم الموجز باستخلاص أبرز الدروس المستفادة من واقع التجارب الإقليمية والدولية فيما يتعلق بزيادة مستويات الشمول المالي للإناث بما يدعم التمكين الاقتصادي ذلك على النحو التالي:

تبني استراتيجيات وطنية للشمول المالي تركز على تذليل العقبات التي تواجه إدماج الإناث

مع تزايد عدد الدول التي تبنت استراتيجيات للشمول المالي، ظهر توجه نحو تطبيق تدابير في إطار هذه الاستراتيجيات لتشجيع نفاذ الإناث إلى الخدمات المالية مع اعتماد أهداف محددة لرأب فجوة النوع في الشمول المالي. من بين التجارب المتميزة في هذا المجال استراتيجية الشمول المالي للأردن التي وضعت هدفاً لتقليل الفجوة بين الجنسين في الشمول المالي بالأردن من 53 في المائة إلى 35 في المائة، الأمر الذي من شأنه زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5 في المائة.

تعديل الأطر التشريعية والتنظيمية بما يسمح بالمزيد من الشمول المالي للمرأة

بُنيت العديد من الخدمات المالية على أساس تشريعات وأطر تنظيمية قد تحول في حد ذاتها دون التوسع في الشمول المالي للمرأة. فعلى سبيل المثال، ترتبط عملية فتح الحسابات المصرفية في عدد من الدول العربية برسوم أو بحد أدنى للسن. لمواجهة هذه التحديات التشريعية والتنظيمية، اتجهت بعض الدول العربية مثل السعودية وفلسطين إلى تعديل هذه الأطر. ففي فلسطين، تم استحداث ما يُعرف "بحسابات الشمول المالي البنكية" بما يساعد على دمج الإناث من ذوي الدخل المحدود، كما تم في السعودية -استناداً إلى نماذج أعمال شركات التقنيات المالية في البيئة الرقابية الاختبارية المُتبناة من قبل البنك المركزي السعودي- تحديث قواعد فتح الحسابات البنكية للسماح للإناث دون سن الثامنة عشرة بفتح الحسابات[1].

التوسع في الخدمات المالية المصممة لمواكبة الاحتياجات المالية للإناث

 تشير الدراسات إلى أن توسيع فرص الشمول المالي للمرأة تتطلب أن يتم النظر إلى ذلك من منظور أوسع يمتد ليشمل طبيعة الحواجز التي تحول ذلك، وهو ما يستلزم من المؤسسات المالية بداية تصميم الخدمات المالية بما يهدف إلى تجاوز هذه التحديات من خلال عدد من الآليات التي تختلف من دولة لأخرى، حيث تركز بعض الدول على تأسيس فروع تابعة للمصارف تعمل بها إناث، أو توسيع شبكة وكلاء مزودي الخدمات المالية لتشمل الإناث. من أبرز التجارب الدولية في هذا الإطار تجربة بنك جرامين الموجهة إلى توفير التمويل متناهي الصغر للإناث كآلية لخفض الفقر وتمكين المرأة من خلال العديد من البرامج بالشراكة مع شبكة من الوكلاء من المجتمعات المحلية [Community Agent Network (CAN)] في بنجلاديش.

تبني برامج تستهدف الإدماج المالي للإناث من ذوي الدخل المنخفض

تمثل الإناث من ذوي الدخل المحدود فئة مهمة من الفئات التي لم تتمكّن من النفاذ للخدمات المالية مقارنة بمثيلاتهن من ذوات الدخل المتوسط والمرتفع. بناءً عليه، من المهم بالنسبة للجهات المعنية في الدولة تصميم برامج مخصصة للشمول المالي لهذه الفئة تتواكب مع احتياجاتهن وتذلل الصعوبات التي تواجههن في الحصول على التمويل. فعلى سبيل المثال، تتبنى وزارة التضامن الاجتماعي في مصر برنامج التمويل متناهي الصغر للمرأة المعيلة "مستورة" لتوفير التمويل لذوات الدخل المحدود من خلال تسهيل حصولهن على قروض توجه لتأسيس مشروعات متناهية الصغر.

التحول نحو نظم التحويلات الاجتماعية الإلكترونية

تعتبر برامج التحويلات الاجتماعية من أهم مصادر التمكين الاقتصادي للمرأة في العديد من الدول النامية حيث توفر لهن ولأسرهن الفرصة للوفاء بالاحتياجات الأساسية للأسرة ودعم فرص نفاذ الأبناء إلى خدمات التعليم والصحة. في هذا الإطار لمصر تجربة في هذا المجال، حيث يتم تقديم الدعم النقدي لنحو 2 مليون سيدة في إطار برنامج تكافل وكرامة بكلفة تقدر شهرياً بنحو 977 مليون جنيه من خلال برامج التحويلات الاجتماعية الإلكترونية بهدف التمكين الاقتصادي للمرأة. فرغم كون الدعم ممنوح للأسرة إلا أنه في العديد من الحالات يُشترط للحصول عليه أن يتم تقديمه للإناث المعيلات لهذه الأسر بأسمائهن (بما يمثل 79 في المائة من إجمالي المستفيدين من البرنامج).

تبني نظم الهوية الرقمية

يٌقدر البنك الدولي وجود نحو مليار إنسان لا تتوفر لديهم هوية ثبوتية بما يحول دون نفاذ العديد من الأشخاص إلى الخدمات المالية. فبحسب مسح الشمول المالي للبنك الدولي أوضح أن 26 في المائة من المشمولين في المسح من الدول منخفضة الدخل أن سبب عدم نفاذهم إلى الخدمات المالية يُعزى إلى عدم توفر هوية لديهم. كما أشار المسح إلى أن الإناث الأكثر فقراً في الدول منخفضة الدخل تقل فرص حصولهن على هوية ثبوتية بنسبة 30 في المائة مقارنة بالرجال في نفس شرائح الدخل. من أهم التجارب في هذا الإطار التجربة الهندية حيث استفادت الحكومة من تبني نظام الهوية الرقمية المعتمد على الصفات الحيوية والمعرف باسم (Aadhaar number) في تقليل فجوة النوع في النفاذ للخدمات المالية من 20 نقطة مئوية في عام 2011 إلى 6 نقطة مئوية.

التركيز على شمولية شبكة وكلاء مزودي الخدمات المالية للجنسين

تمثل شبكة وكلاء مزودي الخدمات المالية أحد الآليات المهمة لزيادة مستويات الشمول المالي للخدمات المالية الرسمية في المناطق الريفية والواعدة في العديد من البلدان. هذه الشبكة تتسم بارتفاع مستوى هيمنة الذكور اقتصادياً بشكل كبير، وهو ما يمثل تحدي أمام الوصول بالخدمات المالية بطريقة ملائمة للإناث في العديد من المجتمعات.  بناءً عليه، تركز الجهود الرامية إلى توسيع نطاق تغطية الخدمات المالية للإناث المستبعدات من النفاذ إلى الخدمات المالية على شبكات الوكلاء لمزودي الخدمات المالية من الإناث. في الدول العربية هناك تجارب مميزة في هذا الإطار في كل من الأردن ومصر من خلال منصتي "دينارك"، و"هي فوري" للتوسع في تأسيس شبكات من وكلاء مزودي الخدمات المالية من الإناث لتقديم الخدمات المالية الرقمية للإناث في المحافظات والمناطق الريفية.

التركيز على التثقيف المالي للمرأة

تشير الدلائل الدولية إلى انخفاض مستويات التثقيف والسلوك المالي للمرأة مقارنة بالرجل وهو ما يعزى إلى عدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية. تعتبر الدول العربية من أقل المجموعات الجغرافية من حيث مستويات المعرفة المالية للمرأة حيث ترتفع مستويات الفجوة في المعرفة المالية ما بين الجنسين في عدد من الدول العربية إلى ما يفوق المتوسط العالمي البالغ 5.6 في المائة[2]. على مستوى الدول العربية تسجل الإمارات وتونس أعلى مستوى للتثقيف المالي للإناث من مجمل الإناث البالغات بنسبة بلغت 41 و38 في المائة على التوالي. تتوفر في الدول العربية عدد من التجارب المميزة للتثقيف المالي من أبرزها التجارب المسجلة في كل من الإمارات، والمغرب ومصر ولبنان وعدد من الدول العربية.

توفير الإحصاءات الخاصة بالشمول المالي للإناث

تلعب الإحصاءات دوراً مهماً في توضيح العديد من الجوانب المرتبطة بالشمول المالي للمرأة على صعيد جانبي العرض والطلب للخدمات المالية. ومن شأن توفر إحصاءات موثوقة للشمول المالي وبحسب النوع أن تسهم في دعم عمليات صياغة وتقييم الاستراتيجيات الوطنية والسياسات الخاصة بالشمول المالي للمرأة. لدولة رواندا تجربة في مجال توفير الإحصاءات الخاصة بالشمول المالي بحسب النوع من خلال توجيه البنك المركزي للمصارف بإنتاج مجموعة من الإحصاءات التي توضح نفاذ المرأة لكافة الخدمات المالية وبحسب المناطق الجغرافية المختلفة وهو ما أدى إلى بلورة سياسات ساهمت في زيادة مستويات الشمول المالي للمرأة التي ارتفعت بدورها من 28 في المائة في عام 2011 إلى 42 في المائة في عام 2017.

النسخة الكاملة من العدد متاحة على هذا الرابط 

 

 

 


[1]  صندوق النقد العربي، (2021). "مرصد البيئات الرقابية الاختبارية"، الإصدار الأول، قيد النشر.

[2] صندوق مشاريع المرأة العربية، (2020). "إنجاح التمويل الرقمي للمرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: 8 دروس من الميدان"، يونيو.